الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص378
لا باع ولا اشترى ، ولا تزوج ولا طلق ، ولا ضرب عبداً ، ولا أدب خادماً ، فإذا أمر غيره بأن باع له واشترى وزوجه وطلق عنه وضرب عبده وأدب خادمه لم يحنث في هذا كله ، وقال مالك : يحنث في هذا كله ، وقال أبو حنيفة : إن كان هذا العقد مما إذا باشره الوكيل أضافه إلى نفسه كالشرى ، يقول : اشتريت هذه الدار لموكلي لم يحنث الموكل ، وإن كان مما لا يضيفه إلى نفسه كالنكاح يقول : قبلت هذا النكاح لموكلي ، ولا يقول : نكحت لموكلي ، كما يقول : اشتريت لموكلي حنث الموكل ، وكلا المذهبين مدخولٌ ، والصحيح أن جميعها سواء في أنه لا يحنث الآمر بها والموكل فيها إذا كان العرف بمباشرته لها جارياً ، لأن الأيمان تحمل على حقائق الأسماء والأفعال ، ما لم ينقلها عرف الحقيقة في هذه الأفعال بمباشرتها ، والعرف مقترن بها ، فلم يجز أن يعدل في الأمر بها عن الحقيقة والعرف إلى مجاز تجرد عن العرف فعلى هذا لو حلف على امرأته أنه لا يطلقها ، فرد إليها الطلاق ، فطلقت نفسها لم يحنث ، لأنه لا يكون مطلقاً ، وإنما يكون مخيراً في الطلاق ، ولو قال لها : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فدخلتها طلقت وحنث ، لأنه مطلق لها على صفةٍ وقعت منها فلذلك افترقا .
والقسم الثاني : أن يكون عرف الحالف جارياً بالاستنابة دون مباشرته ، وإن باشره استنكرته النفوس منه ، كالسلطان أو من قاربه في رتبته إذا حلف ، ولا باع ولا اشترى ، ولا ضرب عبداً ، ولا أدب خادماً ، فإذا وكل في البيع والشراء وأمر بضرب عبده وبأدب خادمه ففي حنثه قولان :
أحدهما : تفرد الربيع بنقله وتفرد به بعض أصحاب الشافعي ، أنه يحنث اعتباراً بالعرف ، لأن العرف قد صار مقترناً بالمجاز دون الحقيقة ، والعرف ناقل ، كما لو حلف : لا أكلت رؤوساً ، لم يحنث برؤوس الطير والجراد ، وإن وجد حقيقة الاسم فيها ، لأن العرف لما اختص برؤوس الغنم نقل عما عداها حقيقة الاسم .
والقول الثاني : وهو الأظهر ، وما عليه الأكثرون من أصحابنا أنه لا يحنث ، لأن الحقيقة فيها المباشرة لها دون الأمر بها ، والحقيقة لا تنقل إلا بعرف عام ، كما قيل في الرؤوس ، وهذا عرف خاص ، فلم يجز أن ينتقل به الحقيقة ، كما لو حلف سلطان : لا أكلت خبزاً ولا لبست ثوباً ، فأكل خبز الذرة ولبس عباءة حنث وإن لم تجز عادته بأكل الذرة ولبس العباءة ، لأنه عرف خاصٌ وليس بعام ، فلذلك ساوى فيه عرف العموم فكذلك في هذه العقود .
والقسم الثالث : أن يكون عرف الحالف جارياً بالاستنابة فيه ، لكن إن باشره لم تستنكره النفوس منه ، ولا تستقبحه ، كالنكاح والطلاق والعتاق ، لا يستقبح من السلطان أن يباشره بنفسه ، فإذا حلف سلطان لا نكح ولا طلق ، ولا أعتق ، فوكل في