الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص360
فيغيره عن صفته ، أو يلبسه على غير عادته فقد اختلف أصحابنا فيما يقع به حنثه على ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو الظاهر من مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يحنث بلبسه على أي صفة كانت ، فإن غير القميص سراويل أو ارتدى به أو غير السراويل منديلاً ، أو اتزر به حنث وهو قول الجمهور من أصحابنا ، تغليباً لحكم العين على الصفة ولحكم الفعل على العادة ، وقد نص عليه بقوله ، فهذا كله ليس يحنث به ويكون قوله : لا لبست ثوباً وهو رداء من كلام الشافعي صفة للثوب ، وليس من كلام الحالف شرطاً في الحنث ، لأن الحالف لو قال : ‘ هذا لم يحنث إذا لبسه وهو غير رداء ‘ .
والوجه الثاني : وهو منسوب إلى المزني ، وطائفةٌ من متقدمي أصحابنا أنه لا يحنث بلبسه ، إذا غيره عن صفته ، ولا إذا لبسه على غير عادته ، فإن جعل الرداء قميصاً ، أو القميص سراويل ، وارتدى بالقميص ، أو اتزر بالسراويل ، لم يحنث ، حق يتقمص بالقميص ، ويتسرول بالسراويل ويرتدي بالرداء ، فيجمع بين بقائه على صفته ، وبين لبسه على عادته ، حتى حكى عن المزني ، أنه قال لو حلف لا يلبس خاتماً ، فلبسه في غير الخنصر من أصابعه لم يحنث ، لأنه عدل به عن عادة لبسه ، والعرف والعادة في الأيمان شرط معتبر ، ولأن المحرم ممنوع من لبس القميص ، والسراويل ، ولو ارتدى بالقميص واتزر بالسراويل ، جاز ولم يكفر .
وتأول قائل هذا الوجه كلام الشافعي ، فهذا كله ليس بحنث على النفي أي لا يحنث به وهذا التأويل لكلامه زلل من قائله ، لأن الشافعي قال بعده ، إلا أن تكون له نية ولا نحسبه إلا على نيته ، وهذا استثناء ، وحكم الاستثناء ضد حكم المستثنى منه فهذا الاستثناء نفي فلم يجز أن يعود إلى نفي ، لأنه إنما يستثنى النفي من الإثبات ، ويستثنى الإثبات من النفي ، فدل على فساد هذا التأويل ، وإن كان لما قاله من الحكم وجه .
والوجه الثالث : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه إن كانت يمينه على الثوب حنث بلبسه ، على جميع الأحوال ، فإن اشتمل به أو ارتدى أو تعمم ، أو قطعه قميصاً ، أو سراويل حنث ، وإن كانت يمينه على قميص لم يحنث إذا غيره فجعله سراويل ، أو ارتدى به ، ولم يتقمص ، وفرق بين اسم الثوب والقميص بأن اسم الثوب عام ، ينطلق على كل ملبوس ، ولا يزول عنه اسم الثوب وإن تغيرت أوصافه ، واسم القميص خاص ، يزول عنه اسم القميص ، إذا غيره فجعل سراويل ، أو يخرج عن العرف ، إذا لبس على غير المعهود من الارتداء به فلم يحنث بتغيير لبسه ، ولا بتخيير قطعه ، لوقوع الفرق بينهما ببقاء الاسم على الثوب إذا غير لعمومه وزواله عن القميص ، إذا غير