الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص283
ولأن عرف الناس في الكلام المنفصل أن يكون مخالفاً للكلام المتصل ؟ ألا تراه لو قال لعبده : أنت حر ، وسكت ، ثم قال بعد زمان : إن دخلت الدار ، عتق بالكلام الأول ، ولم يكن ما ذكره من دخول الدار شرطاً ، ولو قال له عليّ عشرة دراهم وسكت ثم قال بعد وقت : إلا خمسة لم يكن ذلك استثناء ولزمته العشرة ، لاستقرار حكم الكلام بالسكوت عليه ، كذلك الاستثناء بمشيئة الله تعالى .
ولأنه لو صح الاستثناء بعد طويل الزمان لسقطت كفارات الأيمان باستثنائه قبل الحنث .
وأما قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ ) ( الكهف : 24 ) فقد قال عكرمة معناه : واذكر ربك إذا غضبت ليزول عنك الغضب عند ذكره ، وأما الخبر فقد ذكر الساجي أنه مرسل ، رواه عكرمة عن رسول الله ( ص ) ولو صح جاز أن يكون محمولاً على سكوته لانقطاع النفس ، أو قاله بعد تطاول الزمان استعانة بمشيئة الله على مقاصده وإن لم يجعله استثناء في يمينه ؟ لأنه قد وفى بها في غزو قريش .
فإن قيل : أفليس لو قال لعبده : أنت حر ونوى بقلبه إن دخل الدار كان شرطاً في عتقه فيما بينه وبين الله تعالى ، وكلا يعتق عليه إلا بدخول الدار ، وإن لم يذكره نطقاً فهذا كان الاستثناء هكذا .
قيل : الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الاستثناء رافع كالنسخ ، ولا يكون النسخ إلا بالكلام كذلك الاستثناء ، والشرط تخصيص بعضه وتخصيص العموم يجوز بالقياس من غير كلام .
والثاني : أنه مبطل لظاهر الكلام ، فلم يبطل إلا بمثله من كلام ظاهر ، والشرط مثبت فحمل الكلام المحتمل على مقتضى الشرط ، فلم يفتقر إلى الكلام فافترقا .