الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص272
أن أقسمت يمين منعقدة ، وقال تعالى : ( إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرِسُولُ اللهِ ) ( المنافقون : 1 ) . ثم قال : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّة ) ( المنافقون : 2 ) . فدل على أن ‘ أشهد ‘ يمين لازمة .
وروى راشد بن ربيعة عن عائشة رضي الله عنها قال : أهدت لنا امرأة طبقاً فيه تمر ، فأكلت منه عائشة ، وأبقت فيه تميرات ، فقالت المرأة : أقسمت عليك إلا أكلتيه .
فقال رسول الله ( ص ) : ‘ بريها ، فإن الإثم على المحنث ‘ فجعلها يميناً ذات برٍّ وحنثٍ .
وروي عن عبد الله بن صفوان أنه أتى بأبيه إلى رسول الله ( ص ) ليبايعه فامتنع عليه ، وقال : ‘ لا هجرة بعد الفتح ‘ . فقال له العباس : الآن بررت قسمي ، فسماه قسماً ، ولأن عرف القسم في الشرع والاستعمال يكون بالله تعالى دون غيره ، فوجب أن يكون إطلاقه محمولاً على العرفين فيه .
ودليلنا قول الله تعالى : ( فَشهَادَةُ أَحِدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) ( النور : 6 ) . واللعان يمين لقول النبي ( ص ) : ‘ لولا الأيمان لكان لي ولها شأنٌ ‘ فدل على أن مطلق الشهادة لا يكون يميناً حتى تقترن بذكر الله .
ومن القياس أنه لفظ عري عن اسم وصفته فوجب أن لا تنعقد به يمين توجب الكفارة .
أصله إذا قال : أولى لأفعلن هذا ، لأن الألية ، والقسم واحد ، وقياساً عليه إذا حلف بغير الله من المخلوقات ، ولأن اليمين المكفرة إذا كانت بلفظ معظم له حرمة ، فإذا تجرد القسم عن ذكر الله سقطت حرمته ، فسقطت كفارته .
وأما الجواب عن قوله تعالى : ( إِذَا أَقْسَمُوا لَيَصْرِمَنَّهَا مُصْبِحِينَ ) ( القلم : 17 ) . فهو أنه إخبار عن القسم ، وليس فيه دليل على صفة القسم ، كما لو قيل : حلف فلان لم يكن فيه دليل على ما حلف به .
وأما الجواب عن الخبرين فمن وجهين :
أحدهما : ما ذكرناه .
والثاني : يجوز أن يكون قد حذف ذكر الله منه اقتصاراً على العرف فيه .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن إطلاقه محمول على العرفين فيه ، فهو أن العرف من القسم أنه يمين لكن قد يكون بالله تارة وبغير الله أخرى ، كما لو قال : حلفت ،