الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص270
بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ ) ( المائدة : 89 ) الآية فاقتضى ظاهر العموم استواء المسلم والكافر في وجوبه .
ومن القياس : أن كل من صحت يمينه في الدعاوى انعقدت من غير الدعاوى كالمسلم ؛ ولأن كل يمين صحت من المسلم صحت من الكافر كاليمين بالطلاق والعتاق ؛ ولأن كل من صحت يمينه بالطلاق والعتاق صحت يمينه بالله كالمسلم ؛ ولأن كل من صحت يمينه بالله في الإيلاء صحت يمينه بالله في غير الإيلاء كالمسلم .
فإن قيل : إنما صحت يمينه في الإيلاء وبالطلاق والعتاق ؛ لأنه يصح منه موجبه من الطلاق والعتق ، ولم يصح منه موجب اليمين بالله تعالى في التكفير ، فلم تصح منه اليمين بالله تعالى .
قيل : موجب اليمين هو الوفاء بها ، والكفارة حكم تعلق بالحنث ، فلم يمنع من انعقاد اليمين ، وإن أفضت إلى التكفير الذي لا يصح منه ، ألا ترى أن الكافر لو دخل الحرم فقتل فيه صيداً ضمنه بالجزاء ، وإن افتقر إخراج الجزاء إلى نية لم يصح من الكافر ، ولم يسقط عنه الجزاء .
فأما الجواب عن قوله ( ص ) : ‘ الإسلام يجب ما قبله ‘ فمن وجهين :
أحدهما : أن الخبر يقتضي إسقاط ما وجب ، وعندهم أنه لم يجب ما يسقط .
والثاني : أنه محمول على سقوط المأثم دون المغرم .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن التكفير بالمال لا يصح منه كالصيام ، فهو أن الصيام عبادة محضة فلم تصح من الكافر كالصلاة والمال حق يتصرف إلى الآدميين ، فصح من الكافر ، وإن استحقت فيه النية كجزاء الصيد في الحرم ، ولا يمنع إذا لم يصح منه أحد أنواع التكفير أن تجب عليه الكفارة ، ألا ترى أن الحائض لا يصح منها التكفير بالصيام ، وتصح منها التكفير بالمال ، والعبد لا يصح منه التكفير بالمال ، ويصح منه التكفير بالصيام ، والمجنون إنما لا يصح منه التكفير بالمال والصيام ؛ لأنه غير مكلف ، والكافر مكلف ، فلذلك انعقدت يمين الكافر ، وإن لم تنعقد يمين المجنون .
وأما الزكاة : فلأنها فرضت على المسلم طهرة ، فخرج منها الكافر ، ولزمته الكفارة عقوبة .
قال الماوردي : قوله : ‘ أقسمت بالله ‘ يحتمل أمرين أن يكون يميناً في الحال أو