الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص268
بقول الله تعالى : ( يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ ) ( التوبة : 74 ) وقال تعالى : ( وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ ) ( التوبة : 56 ) .
ومن القياس : أنها يمين بالله تعالى قصدها مختاراً ؛ فوجب إذا خالفها بفعله أن تلزمه الكفارة كالمستقبل ولأنه أحد نوعي اليمين ، فوجب أن ينقسم إلى بر وحنث كالمستقبل ؛ ولأن كل ما كان في غير اليمين كذباً كان في اليمين حنثاً كالمستقبل ؛ ولأنها يمين تتعلق بالحنث المستقبل ، فوجب أن تتعلق بالحنث الماضي كاليمين بالطلاق والعتاق ؛ لأنه لو حلف بالطلاق والعتاق لقد دخل الدار ، ولم يدخلها لزمه الطلاق والعتاق .
وكما لو حلف ليدخلها في المستقبل ، فلم يدخلها وهذا وفاقاً كذلك في اليمين بالله ؛ ولأن وجوب الكفارة في الأيمان أعم في المأثم ؛ لأنها قد تجب فيما يأثم به ولا يأثم ، فلما لحقه المأثم في الغموس كان بوجوب الكفارة أولى .
فأما الجواب عن قوله تعالى : ( لاَ يُؤاخِذُكُمْ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أيْمَانِكُمْ ) ( البقرة : 225 ) فهو أن لغو اليمين ما لم يقصد منها على ما سنذكره ، فأما المقصود بالعقد فخارج عن حكم اللغو وهو المعقود عليه من أيمانه وهو من كسب قلب المأخوذ بإثمه كما قال تعالى : ( وَلَكِنْ يُؤَاخِذْكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) ( البقرة : 225 ) ولئن كانت اليمين المستقبلة تتردد بين بر وحنثٍ ، فالغموس مترددة بين صدق وكذب ، فصارت ذات حالين كالمستقبلة ، وإن اختلفت الحالتان .
ألا تراه لو حلف ليصعدن السماء وليشربن ماء البحر حنث لوقته .
وإن لم يتردد يمينه بين حنث وبر ، وكذلك لو حلف ليقتلن زيداً ، وكان زيد قد مات حنث ، ولزمته الكفارة ، وإن لم يتردد يمينه بين بر وحنث وكذبٍ ، لأنها مقصودة كذلك يمين الغموس في الماضي .
فأما قوله تعالى : ( وَاحْفَظُوا أيْمَانَكُمْ ) ( المائدة : 89 ) فحفظها قبل اليمين أن لا يحلف وبعد اليمين أن لا يحنث كما قال الشاعر :
وأما الجواب عن الخبرين فمن وجهين :
أحدهما : أن الإمساك عن الكفارة فيها اكتفاء بما ورد به القرآن من وجوبها .
والثاني : أن المقصود بها حكم الآخرة ، والكفارة من أحكام الدنيا .