پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص267

أحدهما : أن يكون على إثبات كقوله : والله لقد فعلت كذا .

والثاني : أن يكون على نفي كقوله : والله ما فعلت كذا ، فلا يخلو أن يكون فيها صادقاً أو كاذباً ، فإن كان قد فعل ما أثبت وترك ما نفى فلا كفارة عليه ؛ لأنها يمين بره ، وإن كان كاذباً ؛ لأنه لم يفعل ما أثبته وفعل ما نفاه ، فقال : والله لقد أكلت ، ولم يأكل ، أو قال : والله ما أكلت وقد أكل ، فهو في هذه اليمين عاص آثم ، وتسمى اليمين الغموس ؛ لأنها تغمس الحالف بها في المعاصي ، وقيل : في النار .

واختلف الفقهاء هل يجب بها الكفارة أم لا ؟ فمذهب الشافعي ؛ أن الكفارة فيها واجبة ، ووجوبها مقترن بعقدها ، وهو قول عطاء ، والحكم والأوزاعي .

وقال أبو حنيفة : لا تجب به الكفارة وبه قال مالك ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد وأحمد وإسحاق استدلالاً بقول الله تعالى : ( لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللهُ بِاللًّغْوِ فِي أيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذْكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْماَنَ ) ( المائدة : 89 ) ومنه دليلان : أحدهما : أن اليمين الغموس هي اللغو ، والعفو عنها متوجه إلى الكفارة .

والثاني : أن قوله ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) [ المائدة : 89 ] وعقد اليمين ما التزم فعلاً مستقبلاً يتردد بين حنث وبر ، فخرجت اليمين الغموس من الأيمان المعقودة فلم يلزم بها كفارة ، ثم ختم الآية بقوله : ( وَاحْفَظُوا أيْمَانَكُمْ ) يعني في المستقبل ، من الحنث .

واستدلوا بما روى ابن مسعود أن النبي ( ص ) قال : ‘ من حلف يميناً فاجرةً ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ لقي الله تعالى وهو عليه غضبان ‘ .

وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ اليمين الغموس تدع الديار بلاقع من أهلها ‘ . فأخبر بحكمها ولم يوجب الكفارة فيها .

والقياس أنها يمين على ماضٍ فلم تجب بها كفارة كاللغو .

ولأنها يمين محظورة ، فلم تجب بها كفارة كاليمين بالمخلوقات .

قالوا : ولأن اقتران اليمين بالحنث يمنع من انعقادها ؛ لأن حدوثه فيها يدفع عقدها كالرضاع لما رفع النكاح إذا طرأ منع انعقاده إذا تقدم .

ودليلنا : قوله الله تعالى : ( ذَلِكَ كَفَارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ ) ( المائدة : 89 ) بعد صفة الكفارة ، فاقتضى الظاهر لزومها في كل يمين وقال تعالى : ( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذْكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) ( البقرة : 225 ) ولغو اليمين ما سبق به لسان الحالف من غير قصد ولا نية ، واليمين الغموس مقصودة ، فكان بها مؤاخذاً ومؤاخذته بها توجب تكفيرها ، فإن منعوا من تسمية الغموس يميناً بطل منعهم