الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص265
والقسم الثاني : ما كان عقدها والمقام عليها معصية ، وحلها والحنث فيها طاعة ، وهو قوله : والله لا صليت ولا زكيت ولا صمت ولا حججت ، فعقدها والمقام عليها بأن لا يصلي ولا يزكي معصية ؛ لأنه ترك فيها مفروضاً عليه ، وجلها والحنث فيها بأن يصلي ويزكي طاعة ؛ لأنه فعل مفروضاً عليه .
وهكذا لو حلف على فعل المحظورات فقال : والله لأزنين ولأشربن خمراً ولأسرقن ولأقتلن كان عقدها والمقام عليها بالزنا والسرقة وغير ذلك معصية ، وحلها والحنث فيها طاعة بأن لا يزني ولا يشرب .
والقسم الثالث : ما كان عقدها والمقام عليها مستحباً ، وحلها والحنث فيها مكروهاً وهو قوله : والله لأصلين النوافل ولأتطوعن بالصدقة ، ولأصومن الأيام البيض ، ولأنفقن على الأقارب ، وما أشبه ذلك من الخيرات ، فعقدها والمقام عليها بفعل ذلك مستحب ، وحلها والحنث فيها بترك ذلك مكروه .
والقسم الرابع : ما كان عقدها والمقام عليها مكروهاً وحلها والحنث فيها – مستحبًّا ، وهو عكس ما قدمناه فيقول : والله لا صليت نافلة ، ولا تطوعت بصدقة ولا صيام ، ولا أنفقت على ذي قرابة ، ولا عدت مريضاً ، ولا شيعت جنازة ، فعقدها والمقام عليها مكروه ، وحلها والحنث فيها بفعل ذلك مستحب ، قد حلف أبو بكر أن لا يبر مسطح ، وكان ابن خالته لأنه تكلم في الإفك ، فأنزل الله تعالى فيه : ( وَلاَ يَأْتلُ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى ) ( النور : 22 ) إلى قوله : ( أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ) ( النور : 22 ) فقال أبو بكر : بلى يا رب ، فبره وكفر .
والقسم الخامس : أن يحلف على ما فعله مباح وتركه مباح ، كقوله : والله لا دخلت هذه الدار ولا لبست هذا الثوب ، ولا أكلت هذا الطعام فعقدها ليس بمستحبٍ . واختلف أصحابنا هل هو مباح أو مكروه ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن عقدها مباح ، وحلها مباح ، لانعقادها على ما فعله مباح ، وتركه مباح .
والوجه الثاني : وهو ظاهر كلامه هاهنا ، أن عقدها مكروه ، وحلها مكروه ؛ لأنه قال : وأكره الأيمان على كل حال ، فيكون عقدها مكروهاً ، لأنه ربما عجز عن الوفاء بها ، وحلها مكروه ؛ لأنه جعل الله عرضة بيمينه وقد نهاه عنه .