الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص238
بالسهام ، وإن كانوا دونها رضخناهم بالأحجار ، وإن كانوا أقرب من ذلك طعناهم بالرماح ، وإن كانوا أقرب إلينا ضربناهم بالسيوف ، فقال رسول الله ( ص ) : ‘ هذا هو الحرب ‘ .
وأما حده الثالث على التقريب ، فهو ثلاثمائة ذراع ؛ لأن في الرماة من يصيب منه .
والإصابة في الزيادة عليها متعذرة .
وحكي أنه لم ير أحد كان يرمي على أربع مائة ذراع ، ويصيب إلا عقبة من عامر الجهني ، وهذا شاذ في النادر إن صح ، فلا اعتبار به ، ولا يصح العقد عليه ، فإن عقد النضال على أكثر المسافة المعتادة ، وهي مائتا ذراع صح العقد إذا كان مثل الراميين يصيب فيهما ، وإن كان مثلهما لا يصيب منها لم يصح وإن عقد على أكثر المسافة النادرة وهي ثلاثمائة ذراع ، وكان مثلهما لا يصيب منها ، لم يصح العقد ، وإن كان مثلهما قد يصيب منها ، ففي صحة العقد وجهان :
أحدهما : يصح لإمكان إصابتهما منها كالمسافة المعتادة .
والوجه الثاني : أنه باطل ؛ لأن النادر غرر ، والغرر في العقود مردود بالنهي عنه ، وحكم ما بين المعتاد والنادر ، فيلحق بأقربهما إليه ، فإن كانت الزيادة على المائتين ، أقل من خمسين ، فهو من المعتاد ، وإن كانت أكثر من خمسين فهو في النادر .
وأما عقده على ما زاد على الثلاثمائة ، فإذا كثرت الزيادة بطل العقد على ما زاد على الثلاثمائة فإن كثرت الزيادة بطل العقد بها وإن قلت الزيادة كانت حكم الثلاثمائة على الصحة والفساد وهو معنى قول الشافعي ؛ لأن إغفال ذكره في العقد يبطله ، فصار من لوازمه .
والقسم الثالث : ما اختلف أصحابنا فيه ، وهو : هل الإصابة من الفرع إلى الخسق ، هل يحتاج فيه إلى فسخ العقد ، واستئناف غيره ، أو لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يصح بغير فسخ ، إلحاقاً بمحل الغرض .
والوجه الثاني : لا يصح إلا بعد الفسخ إلحاقاً بمحل الإصابة من الغرض ، فإن اعتبر فيه الفسخ ، استأنفا الرمي ، وإن لم يعتبر فيه الفسخ بنيا على الرمي المتقدم ، ويكون معنى قول الشافعي : ‘ ومن أجاز هذا إجازة في الرقعة ‘ أي من أجاز الزيادة في المسافة فأولى أن يجيز تغيير الغرض ؛ لأن حكم المسافة أغلظ ، والله أعلم .