الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص235
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه أراد غرض الموقف أن تكون مسافته مقدرة بالشرط في العقد ، وأن أغفلا ذكرها ، وعرف الرماة فيه مختلف بطل العقد للجهل بما هو مقصود فيه ، ويكون معنى قول الشافعي : ‘ كرهته ‘ أي حرمته ، كما قال : ‘ وأكره أن يدهن من عظم فيل ‘ أي أحرمه ، وإن كان للرماة فيه عرفٌ معهود ، ففي حملهما عليه مع الإطلاق وجهان :
أحدهما : يحملان فيه على العرف ؛ لأن العرف مع عدم الشرط يقوم في العقود مقام الشرط ، فعلى هذا يكون العقد صحيحاً ، ويكون معنى قول الشافعي : ‘ كراهة ‘ يريد : كراهة اختيار لا كراهة تحريم ، وإنما كرهه مع الصحة ؛ لأنه ربما كان لأعيان المتناضلين أغراض في مخالفة العرف .
والوجه الثاني : أنهما لا يحملان فيه على العرف ، لهذا التعليل من اختلاف الأغراض فيه وأن القوي في البعد أرغب ، والضعيف في القرب أرغب ، فعلى هذا يكون العقد باطلاً ، ويكون قوله : ‘ كرهته ‘ أي : حرمته ، وإذا تقدرت مسافة الغرض إما بالشرط وإما بالعرف لم يكن لواحد من المتناضلين أن يزيد فيه ، ولا ينقص منه لأن الجواب محمول على القول بلزومه كالإجارة ، ويكون معنى قول الشافعي : ‘ فإن سمياه كرهت أن يرفعه أو يخفضه ‘ أي : منعت أن يزيد فيه أو ينقص منه ؛ لأن الزيادة ارتفاع ، والنقصان انخفاض ، فهذا أحد الوجهين في مراد الشافعي بالمسألة وجوابها على هذا المراد في أحكامها مع الذكر والإغفال .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن مراد الشافعي بهذا غرض الهدف في ارتفاعه وانخفاضه ، وتوسطه ، فإن سمياه في العقد حملاً على ما سمياه ولم يكن لواحد منهما أن يرفعه إن كان منخفضاً ولا أن يخفضه إذا كان مرتفعاً التزاماً بحكم الشرط .
وإن أغفلاه لم يبطل العقد بإغفاله ؛ لأنه من توابع مقصوده ، وقيل لهما : إن اتفقتما عليه بعد العقد حملتما فيه على اتفاقكما ، ولم يكن لواحد منكما بعد الاتفاق أن يرفعه أو يخفضه ، وإن اختلفتما فيه حملتما على العرف ، ويكون الاتفاق هاهنا مقدماً على العرف ؛ لأن ارتفاع الغرض أمكن للطويل ، والراكب ، وانخفاضه أمكن للقصير والنازل .
وإن كان العرف عند تقدر الاتفاق ، مختلفاً روعى فيه أوسط الأغراض المسمى :