الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص192
قال الماوردي : وهذا هو السبق الثاني من الأسباق الثلاثة وهو : أن يستبق الرجلان ، ويخرج كل واحد منهما سبقاً من ماله يأخذه السابق منهما ، وهذا لا يصح ، حتى يوكلا بينهما محللاً ، لا يخرج شيئاً ، ويأخذ إن سبق ولا يعطى إن سبق لنص ومعنى .
أما النص ، فما رواه سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) : ‘ من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق ، فلا بأس به ، ومن أدخل فرساً بين فرسين وهو يؤمن أن يسبق ، فإن ذلك هو القمار ‘ .
وأما المعنى ، فهو أن إباحة السبق معتبرة ، بما خرج عن معنى القمار هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانماً إن أخذ أو غارماً إن أعطى ، فإذا لم يدخل بينهما محلل كانت هذه حالها ، فكان قماراً ، وإذا دخل بينهما محلل غير مخرج يأخذان سبق ولا يعطي إن سبق خرج عن معنى القمار فحل .
وهذا الداخل يسمى محللاً ؛ لأن العقد صح به ، فصار حلالاً ويسميه أهل السبق ، ميسراً ، ويصح العقد به بأربعة شروط :
أحدها : أن يكون فرسه كفؤاً لفرسيهما ، أو أكفأ منهما ، لا يأمنان أن يسبقهما ، فإن كان فرسه أدون من فرسيهما ، وهما يأمنان أن يسبقهما لم يصح للنص ، ولأن دخوله مع العلم بأنه لا يسبق غير مؤثر من أخذ السبق .
والشرط الثاني : أن يكون المحلل غير مخرج لشيء وإن قل ، فإن أخرج شيئاً خرج عن حكم المحلل ، مصار في حكم المستبق .
والشرط الثالث : أن يأخذ إن سبق ، فإن شرط أن لا يأخذ لم يصح .
والشرط الرابع : أن يكون فرسه معيناً عند العقد ، لدخوله فيه كما يلزم تعيين فرس المستبقين ، وإن كان غير معين بطل .
وقال أبو علي بن خيران من أصحابه إن المحلل دخل لتحلل العقد ويأخذ ولا يؤخذ به وهذا خطأ ، لأن التحريض المقصود باستفراه الخيل ، ومعاطاة الفروسية غير موجود وإذا لم يؤخذ بالسبق شيء فيصير مانعاً من السبق ، وإذا أخذ به صار باعثاً عليه وهذا يتضح في التفريع الذي نذكره من بعد .