الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص175
محلاً ، فهو ذكي مملوك ، فيضمن المضطر قيمة ما أكل لمالكه ، وإن كان قاتله محرماً ، فهل يكون ميتة أو مذكي ؟ فيه قولان :
أحدهما : يكون ميتة كالذكاة المجوسي ، فعلى هذا لا يجب على المضطر قيمة ما أكل ؛ لأنه لا قيمة للميتة .
والقول الثاني : يكون مذكي يحرم على المحرم ، ويحل لغيره ، فعلى هذا من ضمان المضطر لقيمة ما أكل وجهان من اختلاف القولين هل يستقر للمحرم عليه ملك أم لا ؟ أحد الوجهين لا ضمان عليه إذا قيل : إن المحرم لم يملك .
والوجه الثاني : عليه الضمان إذا قيل إنه يملك .
قال محمد بن داود : ولأن هذا مفض إلى أكل لحوم الأنبياء والصديقين ، ومن أوجب الله تعالى حفظ حرمته ، وتعظيم حقه ‘ .
فقلبه عليه أبو العباس بن سريج وقال : المنع من أكله مفض إلى قتل الأنبياء والصديقين إذا اضطروا حفظاً لحرمة ميت كافر ، وهذا أعظم ، فلم يصح بما قاله ابن داود .
والدليل على إباحته ، قول الله تعالى : ( فمن أضطر من مخمصة غير متجانف لأثم فإن الله عفور رحيم ) ( المائدة : 3 ) فكان على عمومه ، وقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال في حمزة بن عبد المطلب حين قتل بأحد : ‘ لولا صفية لتركته تأكله السباع ؛ حتى يحشر من بطونها ‘ . فإذا جاز أن تأكله البهائم التي لا حرمة لها ، فأولى أن تحفظ به نفوس ذوي الحرمات ؛ ولأنه لما كان أن يحيي نفساً بقتل نفس ، فإحياؤها بغير ذي نفس أولى ؛ ولأن لحمه يبلى بغير إحياء نفس ، فكان أولى أن يبلى بإحياء نفس .
وأما الخبر فهو بأن يكون دليلاً في إباحة أكله أشبه ؛ لأنه لما حفظ حرمته بعد الموت ، كان حفظها في الحياة أوكد ، وإذا لم يمكن حفظ الحرمتين ، كان حفظ حرمة الحي بالميت أولى من حفظ حرمة الميت بالحي .
فإذا ثبت إباحة أكله منه ، فليس له أن يأكل إلا قدر ما يمسك رمقه قولاً واحداً ؛ ليحفظ به الحرمتين معاً ، ويمنع من طبخه وشيه ، ويأكله نيئاً إن قدر لأن طبخه