پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص172

إذا علم بحاله أن يأذن له في الأكل استحياء لنفسه لقوله تعالى : ( وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) ( المائدة : 32 ) ، ولما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ من أعان على قتل مسلمٍ ، ولو بشطر كلمةٍِ جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيسٌ من رحمة الله ‘ ؛ ولأنه لو قدر على استنقاذه بماله من تلف كغرق أو حريق وجب عليه كذلك إذا قدر على استنقاذه بماله من تلف الجوع .

وإذا كان كذلك لم يخل حال المالك من أن يأذن له في الأكل أو لا يأذن فإن أذن له في الأكل لم يخل حال إذنه من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يأذن له بإباحة الأكل ، فللمضطر أن يأكل منه حتى ينتهي إلى حد الشبع قولاً واحداً ؛ لأنه قد صار بالإباحة طعام الولائم التي يجوز الشبع منها ، ولا يجوز له الزيادة على شبعه ، ولا يأخذ منها بعد الأكل شيئاً .

والقسم الثاني : أن يأذن له في الأكل بعوض ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن لا يذكر قدر العوض ، فللمضطر أن يأكل ، وعليه قيمة ما أكل في وقته بمكانه ، وله أن ينتهي إلى حد الشبع .

والضرب الثاني : أن يذكر له قدر العوض ، فهو على ضربين :

أحدهما : أن يكون ثمن مثله ، فله أن يأكل ، فإن أفرد له ما يأكله حين سمى ثمنه صح الثمن ، وكان له أن يأكل ما أفرده ، فإن فضل منه فضله أخذها ؛ لأنه قدر ملكها بابتياع صحيح ، وإن لم يفرد ما سمى ثمنه قبل الأكل لزم المضطر قيمة ما أكل سواء كان أقل من المسمى أو أكثر ؛ لأن ما يأكله مجهولاً لا يصح فيه ثمن مسمى .

والضرب الثاني : أن يكون ما سماه من الثمن أكثر من ثمن مثله ، فيكون بطلب الزيادة من المضطر آثماً ، وينظر ، فإن لم يفرد ما سمى ثمنه لم يلزم المضطر فيما أكل إلا قيمته بمكانه في وقته ، وبطل المسمى وإن أفرد ما سمى ثمنه ، ففي قدر ما يلزم المضطر إذا أكله وجهان :

أحدهما : الثمن المسمى لما تضمنه من عقد لازم .

والوجه الثاني : ثمن المثل دون المسمى لنهي رسول الله ( ص ) عن بيع المضطر ، وهو هذا .

وأصح من هذين الوجهين المطلقين عندي أن ينظر ، فإن كانت الزيادة في الثمن لا تشق على المضطر ليساره ، فهو في بذلها غير مكره ، فلزمته وإن كانت شاقة عليه لإعساره ، فهو من بذلها مكره ، فلم تلزمه .

والقسم الثالث : أن يأذن له في الأكل إذناً مطلقاً من غير تصريح بإباحة ولا