الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص171
إذنه ‘ فنص على ألبان المواشي ، ونبه على ثمار النخل ؛ لأن اللبن أسهل ؛ لأنه مستخلف في كل يوم ، ومن الثمار ما لا يستخلف إلا من كل عام .
فأما الخبر فمحمول على المضطر ، فأما سواقط النخل والشجر من الثمار ، وهو ما تساقط منها على الأرض ؛ فإن كانت من وراء جدار قد أحرزها لم يجز للمار أن يتعرض لأخذها ، لأن الحرز يمنع منها ، وإن كانت بارزة غير محرزة فإن لم تجر عادة أهلها بإباحتها حرم أخذها ، وإن جرت عادتهم بإباحتها كثمار النخل بالبصرة والمدينة ، فقد اختلف أصحابنا في العادة ، هل تجري مجرى الإذن في الإباحة أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : أنها كالإذن ، فيحل لكل مارٍ بها أن يأكل منها ، ولا يدخره ، ولا يتعرض لغير السواقط ، وقد حكي أن بعض العرب دخل حائطاً بالمدينة ، فجعل يأكل من سواقط النخل ، فرآه صاحب الحائط ، فدعاه ، وعرض عليه الأكل ، فامتنع وقال : إنما هاج عليّ كلب الجوع ، فسكنته بتمرات .
والوجه الثاني : أن العادة لا تكون إذناً ، ولا يستبيح المار أكل السواقط إلا بإذن صريح كما لا يستبح ما في النخل إلا بإذن صريح ؛ لأن جميعه ملك لأربابه ، ونفوس الناس فيه مختلفة ، بالشح والسخاء ، فلم يكن عموم العرف فيه مقنعاً . حكم المضطر إذا مرّ بثمرة ونحوها
أحدهما : قدر ما يمسك رمقه .
والثاني : أن يشبع منه ؛ لأنه لما استباح بالضرورة ما تعلق بحقوق الله تعالى من تحريم الميتة استباح بها مما تعلق بحقوق الآدميين من الأموال ، فإذا أكل منها قدر الإباحة ، فثمن قيمته لمالكه ؛ لأن الضرورة إنما دعت إلى الأكل ، ولم تدع إلى سقوط الغرم ، فإن كان موسراً عجل دفع القيمة ، وإن كان معسراً أنظر بها إلى مسيرته .
وذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا يجب عليه قيمة ما أكل ؛ لأنه يصير بالضرورة كالاستباحة التي لا تضمن من الميتة ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن الميتة لا قيمة لها ، وللطعام قيمة .
والثاني : أن الميتة لا مالك لها ، وللطعام مالك ، وإن كان صاحب الطعام حاضراً ، فعلى المضطر أن يستأذنه في الأكل بعد إخباره بضرورته ، وعلى مالك الطعام