پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص169

اسْمُ الله عَلَيْهِ وَقَدْ فصل لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) الأنعام : 119 ) والضرورة تزول بإمساك الرمق ، فدلت على تحريم ما زاد عليه ؛ ولأنه لو كان متماسك الرمق قبل أكلها حرمت عليه كذلك . إذا صار بها متماسك الرمق وجب أن تحرم عليه ؛ لأنه غير مضطر إليها في الحالين ؛ ولأن ارتفاع الضرورة موجب لارتفاع حكمها ، كما أن حدوث الضرورة موجب لحدوث حكمها .

ولو جاز أن ترتفع الضرورة ، ولا يرتفع حكمها لجاز أن تحدث ، ولا يحدث حكمها .

ودليل القول الثاني : أن الشبع منها حلال قول الله تعالى : ( فَمَنْ اضْطَرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ) ( البقرة : 173 ) فعم الإباحة برفع المأثم ، وقول النبي ( ص ) حين سئل عن الميتة ، فقال : ‘ ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بقلاً فشأنكم بها ‘ فعم إباحتها ؛ ولأن ما حل أكله ، حل الاكتفاء منه ، كالطعام طرداً والحرام عكساً ؛ ولأنه مضطر إلى الشبع لحفظ قوته ؛ لأن إمساك الرمق لا لبث له ، وتتعقبه الضرورة بعده إلى إمساكه بغيره ، وقد لا يجد الميتة بعدها ، فكان الشبع أمسك لرمقه ، وأحفظ لحياته ، ولئن كان إمساك الرمق في الابتداء معتبراً فقد لا يكون في الانتهاء معتبراً بعدم الطول في نكاح الأمة شرط في ابتداء العقد ، وليس بشرط بعد العقد ، فإذا تقرر توجيه القولين ، فإن قلنا بالأول منهما أنه لا يأكل منها إلا ما أمسك الرمق فأكل هذا القدر منها مباح له وواجب عليه ، لإحياء نفسه به ؛ لقول الله تعالى : ( وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسُكُمْ ) ( النساء : 29 ) فإن ترك أكل ما يمسك الرمق حتى مات أثم ، وإن أكل ما زاد على إمساك الرمق كان آثماً ، وما أكله من الزيادة حرام .

وإن قلنا بالقول الثاني أنه يأكل منها حتى يشبع كان أكل ما أمسك الرمق واجباً عليه ، وكان أكل ما زاد عليه إلى الشبع مباحاً له ؛ لأن الوجوب مختص بما أحيا النفس ، وهو إمساك الرمق والزيادة عليه للحاجة وحفظ القوة ، وذلك ليس بواجب ، وأكل ما زاد على حد الشبع حرام ؛ لأنه لا تدعو إليه ضرورة ولا حاجة .

( فصل : )

حكم العطشان إذا خاف التلف

وهكذا حكم العطشان إذا خاف التلف ووجد ماء نجساً أو بولاً حل له الشرب منه ؛ لأمسك رمقه وهل له أن يرتوي منه ؟ على القولين الماضيين في الميتة ، فإن وجد بولاً وماء نجساً ، كان شرب الماء النجس أولى من شرب البول ؛ لأن نجاسة الماء طارئة بالمخالطة ، ونجاسة البول لذاته ، ويجوز أن يتداوى بالبول إذا لم يجد دواءً طاهراً ، قد أذن رسول الله ( ص ) ‘ للقرنين أن يشربوا من ألبان الإبل وأبوالها بالمدينة لما اجتووها ‘ وهكذا يحل له أن يأكل من لحوم الميتة للتداوي إذا لم يكن له دواء سواء ،