پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص167

والثاني : بإكمال دينكم .

( وَرَضِيْتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ دِيناً ) ( المائدة : 3 ) فيه قولان :

أحدهما : رضيت دين الإسلام ديناً .

والثاني : رضيت الاستسلام أي طاعة ، فروى قبيصة أن كعب الأحبار قال : لو نزلت هذه الآية على غير هذه الأمة لعظموا اليوم الذي نزلت فيه ، واتخذوه عيداً ، فقال عمر : لقد نزلت بعرفة ، في يوم جمعة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد ، ثم بين بعدها إباحة ما استثناه من المحرمات فقال : ( فَمَنِ اضْطَرَّ فِي مَخْمَصَةٍ ) ( المائدة : 3 ) يعني : مجاعة ، وهي مفعلة من خمص البطن ، وهو اضطماره من الجوع مثل : مخملة ومخلة ( غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ ) ( المائدة : 3 ) وفي المتجانف تأويلان :

أحدهما : أنه المتعمد .

والثاني : أنه المائل .

وفي هذا الإثم تأويلان :

أحدهما : أن يأكل ما حرم عليه مما تقدم ذكره من غير ضرورة .

والثاني : أن يتجاوز في الضرورة ما أمسك الرمق إلى أن ينتهي إلى الشبع ، فإن الله غفور رحيم يعني غفوراً للمأثم ، رحيماً في الإباحة .

وإنما استوفيت تفسير هاتين الآيتين ، وإن تجاوزنا بهما مسألة الكتاب ؛ لما تعلق بهما من الأحكام والنعم ، مع إباحة الميتة للمضطر .

ويدل عليه من السنة ما رواه الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي قال : قلنا : يا رسول الله إنا بأرضٍ تصيبنا فيها المخمصة ، فمتى تحل لنا الميتة ؟ قال : ما لم تصطبحوا ، أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلاً فشأنكم بها ‘ قوله ‘ تصطبحوا ‘ من الصبوح ، وهو الغداء ، و ‘ تغتبقوا ‘ من الغبوق ، وهو العشاء ، أي لم تجدوا ‘ الحفا ‘ مقصور ، وهو أصول البردي الرطب ، وقيل : إنه أراده وأمثاله من الحشيش ؛ لأنه مأكول يغني عن الميتة .

ومعنى الحديث : أنكم إذا تغذيتم ، فليس لكم أن تأكلوها عند العشاء إذا تعشيتم فليس لكم أن تأكلوها عند الغداء ؛ لأن الرمق يتماسك ، وإذا وجدتم ‘ الحفا ‘ فليس لكم أن تأكلوها ؛ لأن الرمق به متماسك ، فدل على إباحة أكلها إذا لم يتماسك الرمق إلا بها .