الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص162
واختلف في معنى النهي عن طلاء السفن وجواز الاستصباح على وجهين :
أحدهما : أن في الاستصباح بد استهلاكاً له فجاز وفي طلاء السفن به استبقاءً له ، فلم يجز .
والوجه الثاني : أن المصباح لا يمسه في الغالب إلا من يعلم بالنجاسة فيتوقاها ، والسفينة يمسها في الغالب من لا يعلم بالنجاسة ، فلا يتوقاها .
فعلى هذا أن جعل طلاءً للبهائم ، فإن كانت مستعملة لم يجز كالسفينة لوجود العلتين من بقاء العين ومسيس حق لا يعلم .
وإن كانت سائمة غير مستعملة ، فعلى وجهين :
أحدهما : يجوز تعليلاً بأنه لا يكاد يمسها من لا يعلم بها .
والثاني : لا يجوز تعليلاً ببقاء عينها .
وأما القسم الثالث : وهو المرسل عن أمر به أو نهي عنه ، فينظر في استعماله ، فإن وجد فيه معنى الأمر أبيح ، وإن وجد فيه معنى النهي حظر .
فعلى هذا يجوز أن يطعم البازي والفهد لحم الميتة لوجود معنى الإباحة فيه ، بالاستهلاك ، فإنه لا يباشرها من لا يعلم بها ، ويجوز أن يسقيهما الماء النجس ، والأبوال .
فأما طرح الأنجاس من البعر والسرجين على الزروع والأشجار ، فإن لم يماس الثمرة المأكولة ، وكان مستعملاً في أصول الشجر وفي قضبان الزرع جاز ؛ لاشتهار حالها وأنه لا يباشرها إلا عالم بها وإن كان مستعملاً من ثمارها فإن كانت يابسة جاز ، لأن اليابس لا نجس يابساً . وإن كان أحدهما رطباً أو ندياً ، بنجس بالملاقاة ، فإباحة استعماله مقروناً بأحد شرطين أما بغسله قبل بيعه ، أو بإعلام مشتريه بنجاسته ، وهكذا إذا عجن طين الكيزان والخزف بالسرجين لزمه عند بيعه أن يغسله أو يخبر بنجاسته ، ليغسله المشتري قبل استعماله ، فإن صار هذا عرفاً مشهوراً بين جميع الناس سقط الأمران عند بيعه من الغسل والإعلام ، ولم يكن للمشتري أن يستعمله إلا بعد غسله ؛ لأنه قد صار بالعرف معلوم النجاسة .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا مات الحيوان صار جميعه بالموت نجساً .
وقال أبو حنيفة : ينجس لحمه وجلده ، ولا ينجس شعره ولا عظمه .
وقال مالك : ينجس عظمه ، ولا ينجس شعره ، وقد حكي هذا عن الشافعي .