الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص161
أن رسول الله ( ص ) سئل عن الفأرة تعق في السمن والودك ، فقال : ‘ إن كان جامداً فاطرحوها وما حولها وإن كان مائعاً ، فانتفوا به ، ولا تأكلوه ‘ .
وروى أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) سئل عن الفأرة تقع في السمن والزيت ، فقال : ‘ استصبحوا به ولا تأكلوه ‘ .
وهذان الحديثان نص في إباحة الانتفاع والاستصباح ؛ ولأنه لما أمر بإراقته مع بقاء عينه ، كان الاستصباح به أولى ، لأنه استهلاك لعينه ، مع الانتفاع به .
فأما القسم الأول الذي ورد النص بإباحته ، فهو الاستصباح به ، فكذلك ما في معناه من إسجار التنانير بالبعر والسرجين وجميع الأنجاس ، وإبقاءه تحت القدور ، ومن الاصطلاء بناره ، واختلف أصحابنا في نجاسة دخانه على وجهين :
أحدهما : أنه نجس ؛ لأنه تولد عن نجاسة والأعيان النجسة لا تطهر بالاستحالة كالرماد .
والوجه الثاني : أنه طاهر ؛ لأنه تولد من التقاء جسمين ، فلم ينجس بنجاسة أحد الجسمين ، كالريح الخارجة من الجوف .
فإن قيل : بطهارته بنجاسته ، ففي العفو عنه وجهان :
أحدهما : يعفي عنه ؛ للحوق المشقة في التحرز منه ، كدم البراغيث ، فعلى هذا إن سجر به تنوراً لم يلزمه مسحه منه ، وجاز الخبر فيه .
والوجه الثاني : أنه لا يعفي عنه ؛ لأن البعد منه عند استعماله له ممكن ، فأمكن التحرز منه ، ولا يمكن التحرز من دم البراغيث .
فعلى هذا إن تدخن به ثوب وجب غسله ، ولذا سجر به تنور ، وجب مسحه منه قبل الخبز فيه ، فإن خبر فيه قبل مسحه نجس ظهر الرغيف وكان وجهه طاهراً ، ولم يجز أن يأكل الرغيف إلا بعد أن يغسل ظاهره .
وأما القسم الثاني : الذي ورد النص بالنهي عنه ، وهو أن تطلى به السفن والمراكب .
روى عن النبي ( ص ) إنه نهى أن تطلى السفن بشحوم الميتة وحكم شحوم الميتة والزيت النجس سواء في جواز الاستصباح بهما ، فكان سواء في المنع من إطلاء السفن بهما .