پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص154

الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أنه سأل النبي ( ص ) عن أجر الحجام فنهاه عنه ، فشكا من حاجتهم فقال : ‘ اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك ‘ .

فذهب بعض أصحاب الحديث إلى أنه حرام على الأحرار حلال للعبيد ؛ لأن النبي ( ص ) نهى عن السادة دون العبيد ، واعتمدوا فيه على رواية رافع بن خديج أن النبي ( ص ) قال : ‘ كسب الحجام خبيثٌ ومهر البغي خبيثٌ ، وثمن الكلب خبيثٌ ‘ فلما وصفه بالخبث ، وقرنه بالحرام كان حراماً .

والدليل على فساد ما ذهبوا إليه ما رواه علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي ( ص ) احتجم وأمرني أن أعطي الحجام أجره .

وروى أنس بن مالك أن أبا طيبة حجم رسول الله ( ص ) فأمر له بصاع من تمرٍ ، وأمر مواليه أن يخففوا عنه من خراجه ، قال جابر : وكان خراجه ثلاثة آصعٍ من تمر في كل يوم ، فخففوا عنه في كل يوم صاعاً .

ووجه الدليل منه : أنه لو حرم كسبه على أخذه حرم دفعه على معطيه ، فلما استجاز النبي ( ص ) أن يأمر بدفعه إليه دل على جواز أخذه ؟

فإن قيل : إنما حجمه أبو طيبة متطوعاً تقرباً إلى الله بخدمة رسول الله ( ص ) ولذلك شرب دمه فقال له : ‘ قد حرم الله جسمك على النار ‘ ، وكان ما أعطاه النبي ( ص ) مواساةً ، ولم يكن أجره ، فعنه جوابان :

أحدهما : إنما أعطاه مقابلة على عمله صار عوضاً ينصرف عن حكم المواساة .

والثاني : أن أبا طيبة كان مملوكاً لا يصح تطوعه بعمله ولا يستحل رسول الله ( ص ) تطوعه ؛ ولأنه لم يزل الناس على هذا في عصر رسول الله ( ص ) وخلفائه إلى وقتنا هذا في سائر الأمصار يتكسبون بهذا ، فلا ينكره مستحسن في حق الله تعالى ، فدل على انعقاد الإجماع به ، وارتفاع الخلاف فيه .

ولأن الحاجة إليه داعية ، والضرورة إليه ماسة ؛ لأنه لا يقدر الإنسان على حجامة نفسه إذا احتاج ، وما كان بهذه المنزلة لم يمنع منه الشرع ؛ لما فيه من إدخال الضرر على الخلق ، وقد قال رسول الله ( ص ) : ‘ لا ضرر ولا ضرار ‘ ؛ ولأن كل كسب حل للعبيد حل للأحرار كسائر الأكساب .

فأما الجواب عن قوله ( ص ) : ‘ كسب الحجام خبيثٌ ‘ فهو أن اسم الخبث يتناول الحرام تارة والدنيء أخرى كما قال تعالى : ( وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ )