الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص150
ويدل عليه أيضاً نص لا يحتمل هذا التأويل ، وهو ما رواه يحيى بن سعيد القطان عن مجالد عن أبي الوداني عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلت : يا رسول الله ! ننحر الناقة ، ونذبح البقرة أو الشاة في بطنها جنينٌ ميتٌ أنلقيه أم نأكله ؟ فقال : ‘ كلوه إن شئتم ، فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه ‘ ؛ ولأنه إجماع الصحابة . روي ذلك عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم – ، وقال عبد الرحمن بن كعب بن مالك : كان أصحاب رسول الله ( ص ) يقولون : ‘ ذكاة الجنين ذكاة أمه ‘ ، وما انعقد به إجماعهم لم يجز فيه خلافهم .
ومن الاعتبار هو أن الجنين يغتذى بغذاء أمه ، فلما كانت حياته بحياتها جاز أن تكون ذكاته بذكاتها كالأعضاء .
فإن قيل : فأعضاؤها لا تعتبر ذكاتها بعدها ، وأنتم تعتبرون ذكاة الجنين إذا خرج حياً ، فدل على افتراقهما .
قيل : لا فرق بينهما ، لأننا جعلنا ذكاته بذكاتها ، إذا خرجت روحه ، بخروج روحها ، وإذا خرج حياً لم تخرج روحه بخروج روحها ، فلم تحل بذكاتها كذلك الأعضاء إذا خرجت منها الروح بخروج روحها حلت ، ولو خرجت الروح منها بغير خروج الروح من أصلها لقطعها قبل ذبحها لم تؤكل ، فاستويا ، وقد يتحرر من هذا الجواب المعلل قياس ثان ، فيقال : حيوان خرجت روحه بذكاة ، فجاز أن يكون مأكولاً ، كالأم ، ولا يدخل الجنين المتولد من حمار وحشي ، وحمار أهلي لا يحل أكله بذكاة أمه ، لأننا أجمعنا بينه وبين الأم ، والأم تؤكل إذا لم يتولد من بين جنسين كذلك الجنين .
فإن قيل : إنا مات باختناقه في بطن أمه ، واحتباس نفسه ، لا بالذكاة فدخل في تحريم المنخنقة .
قيل : لا يجوز أن يعلق على الأسباب المباحة أحكام المحظورات كما لا يجوز أن يعلق على الأسباب المحظورة أحكام المباحات وموت الجنين بذبح أمه مباح ، يتعلق به إحلال الأم ، فتبعها في الحكم ، والمنخنقة ضدها ؟ لتحريم جميعها ، فتعلق به تحريم أكلها .
ويدل على ما ذكرناه أن الذكاة معتبرة بالقدرة بعد الأسباب المباحة ، وهي تنقسم ثلاثة أقسام .
فقسم يمكن ذبحه ، وهو المقدور عليه من الصيد والنعم ، فلا ذكاة له إلا في حلقه ولبته .