پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص149

ولأن العقر من جميع المذكى معتبر ، وإنما يختلف في المقدور عليه وغيره باختلاف المحل ، ولا يختلف باعتباره في بعضه وإسقاطه في بعضه وقد اعتبرتم العقر في المقدور عليه وأسقطتموه في غير المقدور عليه ، وهذا مخالف للأصول .

ودليلنا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ) ( المائدة : 1 ) . قال ابن عباس ، وابن عمر : بهيمة الأنعام هي أجنتها إذا وجدت ميتة في بطون أمهاتها يحل أكلها بذكاة الأمهات ، وهذا من أول أحكام هذه السورة التي هي من أكثر الأحكام المشروعة ، والغالب من تأويلهم هذا أنهم لم يقولوه إلا نقلاً .

ومن السنة ما رواه عاصم بن ضمرة عن عليّ – عليه السلام – ورواه عكرمة عن ابن عباس ، ورواه نافع عن ابن عمر ، ورواية أبي الزبير عن جابر ، ورواية ابن سيرين عن أبي هريرة : أن النبي ( ص ) قال : ‘ ذكاة الجنين ذكاة أمه ‘ .

فجعل إحدى الذكاتين نائبة عنهما ، أو قائمة مقامهما ، كما يقال : مال زيد مالي ، ومالي مال زيد . يريد أن أحد المالين ينوب عن الآخر ، ويقوم مقامه .

فإن قيل : إنما أراد به التشبيه دون النيابة ، ويكون معناه : ذكاة الجنين كذكاة أمه ، لأن قدم الجنين على الأم ، فصار تشبيهاً بالأم ، ولو أراد النيابة لقدم الأم على الجنين فقال : ذكاة الأم ذكاة جنينها – ففيه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أن اسم الجنين منطلق عليه ، إذا كان مستجناً في بطن أمه ، فيزول عنه الاسم إذا انفصل عنها ، فيسمى ولداً . قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ) ( النجم : 32 ) . وهو في بطن أمه لا يقدر على ذكاته ، فبطل أن يحمل على التشبيه ، ووجب حمله على النيابة .

والثاني : أنه لو أراد التشبيه دون النيابة ، لساوى الأم غيرها ، ولم يكن لتخصيص الأم فائدة ، فوجب أن يحمل على النيابة دون التشبيه ، ليصير لتخصيص الأم تأثير .

والثالث : لو أراد التشبيه لنصب ذكاة أمه لحذف كاف التشبيه ، والرواية مرفوعة : ‘ ذكاة أمه ‘ فثبت أنه أراد النيابة دون التشبيه .

فإن قيل : فقد روي بالنصب : ‘ ذكاة الجنين ذكاة أمه ‘ .

– قيل : هذه الرواية غير صحيحة ، ولو سلمت لكانت محمولة على نصبها بحذف ‘ ياء ‘ النيابة دون كاف التشبيه لما قدمناه ، ولأنه إثبات الذكاة ، لم يجز أن يحمل على نفيها ، لأنهما ضدان ، ولا نفعل النفي من الإثبات كما لا نفعل الإثبات من النفي ، ويكون معناه : ذكاة الجنين بذكاة أمه ، ولو احتمل الأمرين لكانتا مستعملتين ، فتستعمل الرواية المرفوعة على النيابة إذا خرج ميتاً ، وتستعمل الرواية المنصوبة على التشبيه إذا خرج حياً ، فيكون أولى ممن استعمل إحداهما ، وأسقط الأخرى .