الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص142
قال الشافعي : لا أعرف من ثبوت هذا الحديث على الانفراد ما أعرف من ثبوت نهي رسول الله ( ص ) عن لحوم الحمر الأهلية فأحرمها .
ونهيه عنها دليل على إباحة الحمر الوحشية ، لأنه إذا نهى عن شيء يجمع صنفين ، فقد أباح ما يخرج عن صنفه .
والدليل على تحريم الحمر الأهلية ما رواه الشافعي عن سفيان عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال : صبح رسول الله ( ص ) خيبر بكرة ، وقد خرجوا بالشاة من الحصن ، فلما رأوا رسول الله ( ص ) قالوا محمد والخميس ، لم لجوا إلى الحصن ، فرفع رسول الله ( ص ) يديه ثلاثاً وقال : الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين ، فلما فتحوها أصابوا حمرا فطبخوا منها ، فنادى منادي رسول الله ( ص ) ألا إن الله ورسوله ينهاكم عنها ، فإنها رجسٌ فكفوا القدور وإنها لتفور .
فاحتمل ما حكموا به من أكلها ، لأنهم كانوا يستطيبونها كالحمر الوحشية ، حتى نهوا عنها بالنص .
واحتمل أن يكونوا هموا بذلك لمجاعة لحقتهم حتى نهوا عنها بالفتح ، فلذلك ما اختلف أصحابنا في علة تحريمها على وجهين ، والله أعلم .
وبه قال أبو يوسف وأحمد ومحمد وإسحاق ، وقال مالك : كلها حرام .
وقال أبو حنيفة : مكروه ، احتجاجاً بقوله تعالى : ( وَالخَيْلَ وَالْبَغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ) ( النحل : 8 ) . فكان في تحريم أكلها دليل من وجهين :
أحدهما : تخصيص منفعتها بالركوب والزينة ، فدل على تحريم ما عداه .
والثاني : ضمها إلى ما حرم أكله من الحمير ، وبرواية خالد بن الوليد ، قال : خرجت مع رسول الله ( ص ) إلى خيبر ، فأتته اليهود ، فشكو أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم فقال رسول الله ( ص ) : ‘ ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها وحرامٌ عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها ‘ .
وهذا نص قالوا : ولأنه ذو حافر أهلي ، فوجب أن يحرم أكله كالحمير ولأنه حيوان يسهم له ، فوجب أن لا يحل أكله كالآدميين .
ودليلنا : ما رواه الشافعي عن سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر قال : أطعمنا رسول الله ( ص ) لحوم الخيل ، ونهانا عن لحوم الحمير ، وهذا نص .