الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص135
عز وجل ليحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالاً لهم في الإحلال والله أعلم فلما أمر رسول الله ( ص ) بقتل الغراب والحدأة والعقرب والحية والفأرة والكلب العقور دل ذلك على أن هذا مخرجه ودل على معنى آخر أن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله ( ص ) قتله في الإحرام شيئاً ‘ .
قال الماوردي : اعلم أن مقصود الشافعي بهذه الجملة أمران :
أحدهما : إثبات أصله في التحليل والتحريم ، أنه معتبر باستطابة العرب واستخباثهم ، وقد قدمناه واستوفيناه .
والثاني : الرد على مخالفة فيه ، وهو مالك ، فإنه قال كل الحيوان حلال إلا ما ورد نص بتحريمه ، فأباح حشرات الأرض من الجعلان والديدان وهوامها من الحيات والعقارب وسباع الدواب ، وبغاث الطير وجوارحها ، وحلل لحوم الكلاب ، وحرم لحوم الخيل ، وجعل أصله إحلال جميعها إلا ما ورد فيه نص ، استدلالاً بقول الله تعالى : ( قُل لاَّ أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُحلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ ) ( الأنعام : 145 ) . وبقوله تعالى : ( وَإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) ( المائدة : 25 ) . فعم ولم يخص قال : ولئن كان المعتبر باستطابة العرب فهم يستطيعون أكل جميعها سئل بعض العرب عما يأكلون وما يذرون ؟ فقال : نأكل كل ما دب ودرج إلا أم حبين فقيل له : لتهنأ أم حبين العافية .
ودليلنا مع تقرير الأصل الذي حررنا قوله تعالى : ( وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) ( الأعراف : 175 ) . فدل على أن فيها خبيثاً محرماً ، وطيباً حلالاً ، ومالك جعل جميعها حلالاً طيباً .
وروى عاصم بن ضمرة عن عليّ – عليه السلام عن النبي ( ص ) ‘ أنه نهى عن أكل كل ذي نابٍ من السباع وكل ذي مخلبٍ من الطير ‘ فجعل هذا في التحريم أصلاً معتبراً ، ومالك لا يعتبره ، ويجعل الكل حلالاً .