الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص133
ثلاثة أمور : إما أن يريد به الحلال والحرام ، كما قال : ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) يعني من الحلال ، ولا يجوز أن يكون هذا مراداً ، لأنهم سألوه عما يحل ويحرم ، فلا يصح أن يقول لهم : الحلال الحلال ، والحرام الحرام ، لأنه لا يكون فيه بيان للحلال ولا للحرام ، وإما أن يريد به الطاهر والنجس ، كما قال تعالى : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) ( النساء : 43 ) . أي : طاهراً ، ولا يجوز أن يكون هذا مراداً ، لأن الطاهر والنجس معروف بشرع آخر ، فلا يكون في هذا بيان شرعي يعني عن غيره .
وإما أن يريد به ما كان مستطاب الأكل في التحليل ، ومستخبث الأكل في التحريم ، وهذا هو المراد إذا بطل ما سواه ، لأنهم يتوصلون بما استطابوه إلى العلم بتحليله ، وبما استخبثوه إلى العلم بتحريمه ، وإذا كان هذا أصلاً وصار المستطاب حلالاً والمستخبث حراماً وجب أن يعتبر فيه العرف العام ، ولا يعتبر فيه عرف الواحد من الناس لأنه قد يستطيب ما يستخبثه غيره ، فيصير حلالاً له وحراماً على غيره ، والحلال والحرام ما عم الناس كلهم ، ولذلك اعتبر فيه العرف العام ، ولا يجوز أن يراد به عرف جميع الناس في جميع الأزمنة لأنه خاطب به بعضهم دون بعض في بعض الأرض ، فاحتيج إلى معرفة من خوطب به من الناس ومعرفة ما أريد به من البلاد ، فكان أحق الناس بتوجه الخطاب إليهم العرب لأنهم السائلون المجابون ، وأحق الأرض من بلادهم ، لأنها أوطانهم ، وقد يختلفون فيما يستطيبون ويستخبثون بالضرورة والاختيار ، فيستطيب أهل الضرورة ما استخبثه أهل الاختيار ، فوجب أن يعتبر فيه عرف أهل الاختيار ، دون أهل الضرورة لأنه ليس مع الضرورة عرف معهود ، وهم يختلفون فيها من ثلاثة أوجه :
أحدها : بالغنى والفقر ، فيستطيب الفقير ما يستخبثه الغني .
والثاني : بالبدو والحضر ، فيستطيب البادية ما يستخبثه الحاضرة .
والثالث : بزمان الجدب وزمان بالخصب ، فيستطاب في زمان الجدب ما يستخبث في زمان الخصب ، وإذا كان كذلك وجب أن يعتبر فيه أهل الاختيار من جمع الأوصاف الثلاثة ، وهم الأغنياء دون الفقراء ، أو سكان الأمصار والقرى دون البادية ، وفي زمان الخصب دون زمان الجدب ، من العرب دون العجم ، وبلادهم دون غيرها ، فتصير الأوصاف المعينة فيمن يرجع إلى استطابته واستخباثه خمسة :
أحدها : أن يكونوا عرباً .
والثاني : أن يكونوا في بلادهم .
والثالث : أن يكونوا من أهل الأمصار والقرى ، دون الفلوات .
والرابع : أن يكونوا أغنياء من أهل السعة .