الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص62
والثاني : قوله : ( وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَللسَّيَّارَةِ ) يعني مطعومه ، فدل على أن جميعه مطعوم .
وروى أبو هريرة عن النبي ( ص ) أنه قال في البحر : ‘ هو الطهور ماؤه الحل ميتته ‘ فعم جميع ميتاته ، ولم يخصها .
وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : كل دابة تموت في البحر فقد ذكاها الله لكم ، وهو محكى عن غيره من الصحابة ، وليس فيه مخالف له ، فكان إجماعاً ؛ ولأن ما لم يعش من الحيوان إلا في الماء حل أكله ميتاً كالحوت .
فأما الجواب عن استدلاله بقوله تعالى : ( أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ ) ( الأنعام : 145 ) فمن وجهين :
أحدهما : أن مطلق اسم الخنزير لا ينطلق لغة وعرفاً إلا على خنزير البر ، فإن أريد به غيره قبل خنزير الماء مقيداً به ، فوجب أن يحمل حكمه على إطلاقه .
والجواب الثاني : أن اسمه لو انطلق عليها لخص تحريمها بقوله : لكل ميتة .
وأما الجواب عن قوله ‘ الميتتان الحوت والجراد ‘ ، فمن وجهين :
أحدهما : أن اسم الحوت ينطلق على جميعها ، فكان دليلاً على إباحتها دون حظرها .
والثاني : أن قوله : ‘ الحل ميتته ‘ أعم منه فصار الحوت داخلاً في عمومه ، ولم يخصه ؛ لأنه لا ينافيه .
وأما الجواب عن قياسه على البري ، فهو أن الشرع قد فرق بين حيوان البر والبحر ، فلم يجز أن يجمع بينهما بالقياس .
وأما الجواب عن استدلاله بأن إباحة الحيوان لا يختلف باختلاف مواطنه ، فهو مدفوع بالإجماع ، ولاختلاف الأماكن مع الإجماع في الاسم والصورة تأثير في الحظر والإباحة ؛ لأن الحمار الوحشي والحمار الأهلي يجتمعان في الاسم ، ويشتبهان في الصورة ، ويفترقان في الإباحة ، فيحل الوحشيُّ ، ويحرم الأهلي ؛ لاختلافهما في المكان ، وإن كان البر يجمعهما ، فكان ما افترقا في البر والبحر أولى أن يفترقا في الإباحة والحظر ، وإن اشتركا في الاسم واشتبها في الصورة ، وبهذا يبطل قول من ذهب من أصحابنا إلى اعتبار حيوان البحر بحيوان البر فأحل منه ما أشبه محللات البر وحرم منه ما أشبه محرمات البر .