الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص61
وقال الشافعي في بعض كتبه : إنه لا يحل من صيد البحر إلا الحوت ، فاختلف أصحابه في اسم الحوت ، فقال بعضهم : هو من الأسماء العامة ينطلق على جميع حيوان البحر إلا الضفدع ، وما قتل أكله من ذوات السموم ، فعلى هذا لا يختلف قوله في إباحة أكله .
وقال آخرون من أصحابه إن اسم الحوت خاص بالسمك دون غيره ، فعلى هذا جعلوه قولاً ثانياً للشافعي أن أكله حرام ، كقول أبي حنيفة .
والمذهب الثالث : وهو قول بعض أصحاب الشافعي أن ما أشبه مباحات البر من دواب الماء حلال ، وما أشبه محرمات البر من كلاب الماء وخنازيره حرام جميعاً بين حيوان البر وحيوان البحر .
وبرواية ابن عمر أن النبي ( ص ) قال : ‘ أُحلت لنا ميتتان ودمان الحوت والجراد ‘ واسم الحوت خاص في السمك ، فكانت الإباحة مقصورة عليه ؛ ولأن ما اختص بغير اسم الحوت لم ينطلق عليه إباحة الأكل كالبري ، لأن الحيوان لا يختلف حكم إباحته باختلاف مواطنه كالخنزير الجبلي والسهلي .
والدليل على إباحة جميعه قول الله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ َطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَللسَّيَّارَةِ ) ( المائدة : 96 ) يعني بصيد البحر صيد الماء من بحر أو نهر أو عين أو بئر ؛ لأن أصل جميع المياه من البحر ، وفي طعامه تأويلان :
أحدهما : طافية ، وهو قول أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما .
والثاني : مملوحة ، وهو قول ابن عبّاس وفي قوله ‘ متاعاً ‘ تأويلان :
أحدهما : طعام .
والثاني : منفعة ، وفي قوله : ‘ وللسَّيَّارَةِ ‘ ثلاثة تأويلات :
أحدها : الحلال والمحرم .
والثاني : المقيم والمسافر .
والثالث : لأهل الأمصار وأهل القرى .
والدليل في هذه الآية من وجهين :
أحدهما : قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ ) يعني صيد البحر ، فكان على عمومه في جميع حيوانه .