الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص54
وقال مالك : إن بعد في البر مع قرب المكث زال ملكه عنه ؛ استدلالاً بأن الإمساك سبب الملك ، فإذا زال بالانفلات زال به الملك ، كما لو ملك ماءً باستقائه من نهر ، فانصب منه في النهر ، زال ملكه عنه ؛ ولأنه لو بقي على ملكه بعد انفلاته تحرم صيد البر لجواز اختلاطه بمنفلت فحرم ، وفي إجماعهم على إباحة صيده دليل على أن المنفلت عائد في الإباحة إلى أصله .
ودليلنا هو أنه يملك الصيد بالابتياع ، كما يملكه بالاصطياد ، فلما لم يزل به الملك عما ابتاعه بالانفلات لم يزل به الملك عما صاده ؛ ولأنه يملك عبده بالسبي ؛ ولا يزول ملكه عنه بالرجوع إلى دار الحرب ؛ كذلك الصيد إذا ملكه الاصطياد لم يزد ملكه عنه بالانفلات ؛ ولأنه لو وسم الصيد قبل انفلاته لم يزل ملكه عنه بعد وسمه ، فوجب أن لا يزول به قبل وسمه ؛ لأن الوسم لما لم يؤثر في ثبوت الملك لم يؤثر في زواله .
وأما الجواب عن استدلاله بأن زوال سبب الملك موجب لزوال الملك كالماء إذا عاد إلى النهر فهو بطلانه بالعبد المسبي إذا عاد آبقاً إلى دار الحرب زال سبب ملكه ، ولم نوجب زوال ملكه ، كذلك الصيد .
فأما الماء فقد اختلف أصحابنا في حكمه إذا عاد إلى النهر على وجهين :
أحدهما : أنه على ملكه ، وإنما اختلط بما لم يتميز عنه ، فصار مستهلكاً .
والثاني : أن ملكه قد زال بمثله المقدور عليه ، فخالف حكم الصيد الذي لا يقدر عليه .
وأما الجواب عن استدلاله بأن صيد البر على الإباحة بعد انفلاته ، فهو أن اختلاط الحلال بالحرام إذا لم يمكن الاحتراز منه يوجب تغليباً الإباحة على التحريم ، ألا ترى أن ماء النهر إذا أريق فيه خمرٌ أو بولٌ لم يحرم لتعذر الاحتراز منه ؛ ولو اختلطت أخته بنساء بلدٍ لم يحرم عليه أن يتزوج منهن من شاء ، ولو اختلطت بعدد من نساء بلد حرمن كلهن ؛ لأنه لا يقدر على الاحتراز منها في نساء البلد ويقدر على الاحتراز منها في العدد المحصور من نساء البلد ، كذلك حكم الصيد المنفلت إذا اختلطت بصيد البر لم يمكن الاحتراز ، فحل ، وإذا اختلط بعدد محصور من عدة صيود حرم .
أحدهما : أن يقصد بإرساله التقرب إلى الله تعالى به ، هذا موجب لزوال المالك عنه كالعتق ، واختلف أصحابنا ، هل يحل صيده بعد امتناعه إذا عرف على وجهين :