پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص52

صيد الآلة إلا بعقره وجب أن لا يحل صيد الجوارح إلا بعقره ؛ لأنه أحد النوعين ، فكان العقر شرطاً في الحالين .

ودليل القول الثاني في إباحته قول الله تعالى : ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ) يريد به الجوارح الكواسب كما قال تعالى : ( أَمْ حِسَبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ) ( الجاثية : 21 ) أي اكتسبوا ثم قال : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) ( المائدة : 4 ) فكان على عمومه في كل إمساكٍ عقر أو لم يعقر ، ولأن شروط الذكاة معتبرة بحال القدرة والعجز ، فتجب مع القدرة في محلها في الحلق واللبة ما يسقط مع العجز ، كذلك العقر لا يشق اعتباره في الآلة ، فكان شرطاً وشق اعتباره في الجارح فلم يكن عقره شرطاً ؛ ولأن ما كان شرطاً في تعليم الجارح ، كان شرطاً في الاستباحة ، كالإمساك ، وما لم يكن شرطاً في التعليم لم يكن شرطاً في الاستباحة ، كالأكل ، فلما لم يكن العقر شرطاً في تعليمه لم يكن شرطاً في استباحة صيده ؛ ولأن عقره من دواعي الأكل المؤثر في الحظر ، فكان ترك عقره أصح في التعليم ، وأبعد في الحظر ، فكان أحق بالإباحة من العقر .

( مسألة : )

قال الشافعي رحمه الله تعالى : ‘ ولو رمى شخصاً يحسبه حجراً فأصاب صيداً فلو أكله ما رأيته محرماً كما لو أخطأ شاةً فذبحها لا يريدها وكما لو ذبحها وهو يراها خشبةً لينةً ‘ .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا رأى شخصاً ، فظنه حجراً أو شجرة ، فرماه بسهم ، فبان أنه صيد قتله حل أكله ، وكذلك لو رمى الشخص ، وهو يظنه إنساناً أو حيواناً غير مأكول من كلب أو خنزير ، فبان أنه صيد مأكول قتله حل أكله في هذه الأحوال كلها ، وبه قال أبو حنيفة ومالك : لا يؤكل في هذه الأحوال كلها .

وقال محمد بن الحسن : إن ظنه غير حيوان من شجر أو حجر ، فبان صيداً لم يحل أكله ، وإن ظنه حيواناً غير مأكولٍ ، فبان مأكولاً حل أكله ، وعلة إباحته عندنا مختلف فيها بين أصحابنا على وجهين :

أحدهما : أن العلة في إباحته قصده للفعل ، فكان ما حدث من فعله المقصود مباحاً ، كما لو قصد ذبح شاة فذبحها ، وهو يحسبها غيرها ، حل أكلها كما لو قبض على شيءٍ يحسبه خشبة لينة فقطعها فبان أنه حلق شاة قد ذبحها حل أكلها .

والوجه الثاني : وهو تعليل أبي إسحاق المروزي أن العلة في إباحته مباشرته للفعل دون القصد ؛ لأن ذكاة الصبي والمجنون مباحة ، وإن لم يكن لهما قصدٌ ، فكان التعليل بالمباشرة أولى من التعليل بالقصد ولا يعتبر بنية الزكاة على التعليلين جميعاً ،