پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص51

( مسألة : )

قال الشافعي رحمه الله تعالى : ‘ وما نالته الجوارح فقتلته ولم تدمه احتمل معنيين : أحدهما أن يؤكل حتى يجرح قال الله تعالى : ( مِنَ الجَوَارِحِ ) والآخر أنه حلٌّ ( قال المزني ) الأول أولاهما به قياساً على رامي الصيد أو ضاربه لا يؤكل إلا أن يجرحه ‘ .

قال الماوردي : وصورتها في رجل أرسل كلبه أو غيره من الجوارح على صيد ، فمات الصيد بإرساله عليه ، فلا يخلو حال موته من ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يتعبه الكلب بالسعي عليه حتى يسقط الصيد ميتاً بالإعياء من غير أن يجرحه الكلب ، فهذا ميتة لا يؤكل ؛ لأنه لم يصل إليه فعل يكون تذكية .

والحال الثانية : أن يناله الكلب ، فيعقره ، فيموت من عقره وجراحته ، فيحل أكله سواء جرحه بأنيابه أو بمخالبه في مقتل أو غير مقتل من رأس أو ذنب ؛ لقول الله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) ( المائدة : 4 ) .

فاختلف أصحابنا في موضع عقر الكلب ، هل يحل أكله أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يحل أكله سواء كان قد غسله أو لم يغسله ، ويأكل ما عداه من جسده ؛ لأن لعاب الكلب ونجاسة أنيابه تسري في محله فلا يصل إليه الغسل والوجه الثاني : أنه يحل أكله ، لأنه من جملة حكم بإباحتها من غير استثناء ، فعلى هذا هل يجب غسله قبل أكله أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : يجب غسله قياسا على محل ولوغه ، ولا يحل أكله قبل الغسل .

والوجه الثاني : لا يجب غسله ؛ للحوق المشقة فيه ، فصار عفوا كسائر ما يشتق التحرز منه من جميع الأنجاس .

والحال الثالثة : أن يكون موت الصيد بصدمة الكلب أو بضغطته أو بقوة إمساكه من غير أن يعقره بجرح من ناب أو مخلب ، ففي إباحة أكله قولان :

أحدهما : وهو اختيار المزني ، ورواه أبو يوسف ، ومحمد ، وزفر عن أبي حنيفة أنه حرام لا يؤكل .

والقول الثاني : ورواه الحسن بن زياد اللؤلؤي عن أبي حنيفة أنه حلال يؤكل .

فدليل القول الأول في تحريمه قوله تعالى : ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلَّبِينَ ) ( المائدة : 4 ) فجعل الجرح نعتاً ، فصار في الإباحة شرطاً .

وروى رافع بن خديج أن النبي ( ص ) قال : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا فدل على أن ما لم ينهر لا يؤكل ؛ ولأن قتل الصيد قد أبيح بآلة وبجوارح ، فلما لم يحل