الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص41
أحدهما : أن يكون بفعل منه وصل إلى الصيد بالآلة المؤثرة في إثباته من ضرب أو جرح ، وإن سعى خلف الصيد فوقف بإعيائه ، لم يملكه بالوقوف ؛ حتى يأخذه ؛ لأن وقوفه استراحة منه هو بعدها على امتناعه ، وكذلك لو توحل الصيد عند طلبه في طين لم يقدر على الخلاص منه لم يملكه حتى يأخذه ؛ لأن الطين ليس من فعله ، فلو كان هذا الذي أرسل الماء في الأرض حتى توحلت ملكه بوقوعه في الوحل ؛ لأن الوحل من فعله فصار به كوضع الشبكة ولو اعترضه منه سبع فعقره فأثبته لم يملكه ؛ لأن اعتراض السبع ليس من فعله ، فلو كان هذا الذي أغرى السبع باعتراضه حتى عقره فأثبته نظر ، فإن كانت له على السبع يد ملك الصيد بعقره ، وصار كإرسال كلبه ، وإن لم يكن له على السبع يد لم يملك الصيد بعقره حتى يأخذه لأن اختيار السبع أقوى من إغرائه .
والشرط الثاني : أن يصير الصيد بما وصل من فعله عاجزاً عما كان عليه من امتناعه ، سواء كان ما وصل إليه قد عقره كالحديد أو لم يعقره كالحجر ، وإذا كان كذلك لم يخل حاله بعد وصول الآلة إليه من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يعقر بها في موضع فلا يقدر على عدوٍ ولا طيران ، فهذا إثبات قد صار به مالكاً لصيد ، فإن عادت قوة الصيد فامتنع بها بعد إثباته نظر ؛ فإن كانت بعد أخذه وهو باق على ملكه ، وإن كانت قبل أخذه فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون زمان عودها قريباً لا تنشأ في مثله قوةٌ مستفادة فقد عاد إلى الإباحة ، ولم يستقر ملكه عليه ، وعلم أن وقوفه لاستراحة .
والضرب الثاني : أن يطول زمانه حتى تنشأ في مثله قوة مستفادة ، فيكون باقياً على ملكه ، ولا يعود إلى الإباحة كما لو قص جناح طائر قد صاده ، فثبت جناحه ، وطار لم يزل عن ملكه .
والحال الثانية : أن يفوت الصيد بعد وصول الآلة إليه على امتناع في عدوه وطيرانه ، فلا يصير مالكاً له بجراحته ، وسواء كانت الجراحة مما يسلم من مثلها أو لا يسلم ، وسواء طال زمان امتناعه أو قصر زمان رماه آخر ، فأثبته ، كان ملكاً للثاني دون الأول ، وهي مسألة الكتاب ؛ لأن إثباته من فعل الثاني دون الأول ، ولو لم يرمه آخر حتى ثبت بجراحة الأول صار حينئذٍ ملكاً للأول ؛ لأنه قد صار مثبتاً له ، فإن ثبت بالعطش بعد الجراحة نظر ، فإن كان عطشه لعدم الماء لم يملكه الجارح ، وإن كان عطشه لعجزه عن وصوله إلى الماء ملكه الجارح ؛ لأن الجراح مؤثرة في العجز دون الماء .
والحالة الثالثة : أن يقصر عن امتناعه من غير وقوف بمكانه ، فيعدو دون عدوه ، ويطير دون طيرانه ، فهذا على ضربين :