الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص24
وقال الحسن البصري وسفيان الثوري : لا يحل صيده ؛ لقول الله تعالى : ( تُعَلِّمُونَهُنْ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) ( المائدة : 4 ) وهذا الشرط غير موجود في كلب المجوسي ، وهذا فاسد من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الكلب آلة كالسلاح ، وقد ثبت أن مسلماً لو صاد بسلاح مجوسي حل كذلك إذا صاد بكلبه
والثاني : أن الاعتبار في الكلب بمرسله دون معلمه .
ألا ترى أن المجوسي إذا صاد بكلب مسلم لم يحل إجماعاً ، فوجب أن يحل إذا صاد مسلم بكلب مجوسي قياساً .
والثالث : أن المجوسي لو علم كلباً ، ثم أسلم ، حل صيده ، لأنه بإرساله مسلم ، وإن كان بتعليم مجوسي ، كذلك إذا صاد به غيره من المسلمين .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن ذبيحة المجوسي لا تحل ، وتحل ذبيحة أهل الكتاب في كل حيوان مباح .
وقال مالك : تحل لنا ذبائح أهل الكتاب في كل حيوان مما يستحلونه من البقر والغنم ، ولا تحل فيما لا يحلونه من الإبل ؛ لأنهم يقصدون بذبحه الإتلاف دون الذكاة ، وهذا غلظ ؛ لقوله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُو الكِتَابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) ( المائدة : 5 ) يريد بالطعام : الذبيحة دون ما يستطعمونه ؛ لأنهم يستطعمون الخنزير ، ولا يحل لنا .
ولأن ما حل بذبيحة المسلم حل بذبيحة الكتابي ، كالبقر والغنم طرداً ، وكالبغال والحمير عكساً . وإذا كان هذا أصلا مقرراً ، وقياساً مستمراً ، فاختلف أبوا الكافر ، فحلت ذبيحة أحدهما ، ولم تحل ذبيحة الآخر بأن يكون أحدهما يهودياً والآخر مجوسياً نظر :
فإن كان أبوه مجوسياً وأمه يهودية فلا تحل ذبيحته لوجهين :
أحدهما : أنه نسبه يلحق بأبيه ، فكان حمله حمل أبيه .
والثاني : أن الحظر والإباحة إذا اجتمعا يغلب حكم الحظر على الإباحة .
وإن كان أبوه يهودياً وأمه مجوسية ، ففي إباحة ذبيحته قولان :
أحدهما : تحل ذبيحته تعليلاً بأنه يرجع إلى أبيه في نسبه .