الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص9
أرسلت كلبك المكلب ، وذكرت اسم الله عليه فكل ، وإن أكل منه ‘ . فهذا نص .
ولأن ما حل أكله بفوات نفسه لم يحرم بحدوث أكله كالمذكى ؛ ولأن ما حل من صيده إذا لم يأكل منه حل ، وإن أكل منه ، كما لو تركه بعد صيده ، ثم عاد ، فأكل منه ؛ ولأنه لو أكل من غير صيده ، وأكل غيره من صيده لم يحرم واحد منهما ، فدل على أن الأكل لا يوجب التحريم .
وإن قيل بقوله في الجديد إن أكل ما أكل منه حرام ، فدليله قول الله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) وما أكل منه ، فقد أمسكه على نفسه ، لا على مرسله ، ويدل عليه حديث عدي بن حاتم ، وهو أثبت من حديث أبي ثعلبة الخشني أن النبي ( ص ) قال : ‘ إذا أرسلت كلبك المعلم ، وذكرت اسم الله عليه فكل ، وإن قتل إلا أن يأكل منه ، فلا تأكل ‘ . وهذا نص .
ولأن من شرط التعليم أن لا يأكل منه ، وإذا أكل بان أنه غير معلم ، فحرم ؛ ولأن أكله وإن احتمل أمرين :
أحدهما : نسيان التعليم ، فمحرم .
والثاني : لغلبة الجوع ، فلا يحرم .
وجب عند تعارضهما أن يعاد إلى أصله في الحظر والتحريم كما لو اختلط مذكى بميتة لم يحل الاجتهاد فيه ؛ تغليباً للتحريم ، ولأن الصيد الواحد لا يتبعض حكمه ، فلما كان ما أكله قد أمسكه على نفسه ، كذلك باقية ، وما أمسكه على نفسه حرام .
وقال أبو حنيفة : يحرم جميع صيده المتقدم بأكله من الصيد المستأخر ؛ استدلالاً بأمرين :
أحدهما : أن الأكل إذا كان منافياً للتعليم دل حدوثه منه على تقدمه فيه ، فصار صائداً لجميعه ، وهو غير معلم كالشاهدين إذا شهدا ، وهما عدلان في الظاهر ، فلم يحكم الحاكم بشهادتهما ففسقا لم يحكم بها ، وإن تقدمت على فسقهما ؛ لأنها دليل على تقدم الفسق فيهما .
والثاني : أن التعليم ينقله عن طبعه ، فإذا لم ينتقل عنه مع الآخر دل على أنه كان غيره منتقل مع الأول ، وصار ترك أكله في الأول اتفاقاً لا تعليماً .
ودليلنا : قول الله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) ( المائدة : 4 ) وقد أمسك على مرسله بما تقدم فحل ؛ لأن ما وجدت شروط الإباحة فيه لم يحرم تقدمها في غيره