الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص385
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ‘ لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن النبي ( ص ) لما نزل المدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) إنما نزلت فيهم ولم يقروا أن يجري عليهم الحكم وقال بعضهم نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وهذا أشبه بقول الله عز وجل ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة ) الآية ( قال ) وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاؤوه في حد لله تعالى وعليه أن يقيمه لما وصفت من قول الله تعالى ( وهم صاغرون ) ( قال المزني ) رحمه الله هذا أشبه من قوله في كتاب الحدود لا يحدون وأرفعهم إلى أهل دينهم ‘ .
قال الماوردي : وقد مضت هذه المسألة في مواضع شتى .
وجملته أن من خالف دين الإسلام من أهل الأمان صنفان : أهل ذمة وأهل عهد ، فأما أهل العهد إذا تحاكموا إلينا ، فحاكمنا بالخيار بين أن يحكم بينهم ، وبين أن يمتنع ؛ لقول الله تعالى : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) [ المائدة : 42 ] فلم يختلف أهل العلم أنها نزلت فيمن وادعه رسول الله ( ص ) من يهود المدينة قبل فرض الجزية ، فكانوا أهل عهد لا ذمة لهم ، واختلف فيها هل نزلت عامة أو على سبب ، فالذي عليه قول الأكثرين أنها نزلت عامة ؛ لغير سبب . وقال بعضهم : بل نزلت في اليهوديين اللذين زنيا ، فكان سببها خاصا وحكمها عاما ، فإن حكما حاكمنا بينهم كانوا مخيرين بين التزامه ، وبين رده .
فإن قيل : فقد رجم اليهوديين الزانيين بغير اختيارهما ؛ لأنهما أنكرا الرجم .
قيل : لهم كان الإنكار لوجوب الرجم في الشرع ، ولم يكن ذلك امتناعا من التزام حكمه .
وأما أهل الذمة ، ففي وجوب الحكم إذا تحاكموا إلينا قولان :
أحدهما : أنهم كأهل العهد يكون حاكمنا في الحكم بينهم مخيرا ، وهم في