الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص383
وإذا خاف خيانة أهل الهدنة جاز أن ينقض هدنتهم ، ولو خاف خيانة أهل الذمة لم يجز أن ينقض بها ذمتهم .
والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن النظر في عقد الهدنة لنا ، والنظر في عقد الذمة لهم ، ولذلك وجب علينا إجابة أهل الذمة إذا سألوها ، ولم يجب علينا إجابة أهل الهدنة إذا سألوها .
والثاني : أن أهل الذمة تحت القدرة يمكن استدراك خيانتهم ، وأهل الهدنة خارجون عن القدرة لا يمكن استدراك خيانتهم .
والثالث : وهو المجاملة في الأقوال والأفعال ، فهي في حقوق المسلمين أغلظ منها في حقوقهم ، فيلزمهم في حقوق المسلمين عليهم أن يكفوا عن القبيح من القول والفعل ، ويبذلوا لهم الجميل في القول والفعل ، ولهم على المسلمين أن يكفوا عن القبيح في القول والفعل ، وليس عليهم أن يبذلوا لهم الجميل في القول والفعل لقول الله تعالى : ( ليظهره على الدين كله ) [ التوبة : 33 ] فإن عدلوا عن الجميل في القول والفعل ، فكانوا يكرمون المسلمين فصاروا يستهينون بهم ، وكانوا يضيفون الرسل ، ويصلونهم ، فصاروا يقطعونهم وكانوا يعظمون كتاب الإمام ، فصاروا يطرحونه ، وكانوا يزيدونه في الخطاب ، فصاروا ينقصونه ، فهذه ريبة ؛ لوقوفها بين شكين ؛ لأنها تحتمل أن يريدوا بها نقض الهدنة ، ويحتمل أن يريدوا بها نقضها ، فيسألهم الإمام عنها ، وعن السبب فيها ، فإن ذكروا عذرا يجوز مثله قبله منهم ، وكانوا على هدنتهم ، وإن لم يذكروا عذرا أمرهم بالرجوع إلى عادتهم من المجاملة في أقوالهم وأفعالهم ، فإن عادوا أقام على هدنتهم ، وإن لم يعودوا نقضها بعد إعلامهم بنقضها ، فصارت مخالفة للقسمين الأولين من وجهين :
أحدهما : أنه لا يعدل عن أحكام الهدنة إلا بعد مسألتهم ، ولا يحكم بنقضها إلا بعد إعلامهم .
فأما سب رسول الله ( ص ) فهو مما ينتقض به عقد الهدنة ، وعقد الذمة وكذلك سب القرآن ، فإن كان جهرا ، فهو من القسم الأول ، وإن كان سرا فهو من القسم الثاني .
وقال أبو حنيفة : لا ينتقض بهما عقد الهدنة ، ولا عقد الذمة ؛ احتجاجا لما روي أن رهطا من اليهود دخلوا على رسول الله ( ص ) ، فقالوا : ‘ السام عليك ‘ ، فقال : ‘ وعليكم ‘ ، فقالت عائشة رضي الله عنها : ‘ يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا ؟ فقال : قد قلت : وعليكم ، ثم قال : مهلا يا عائشة ، فإن الله يجب الرفق في الأمر كله ‘ .