الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص381
محاربا و وأخفى عنهم أثره حتى نزل بهم ، وفتح مكة ، فدل على أن الممسك يجري عليه في نقض العهد حكم المباشر ؛ ولأنه لما كان عقد بعضهم للهدنة موجب لأمان جميعهم ، وإن أمسكوا كان نقض بعضهم موجباً لحرب جميعهم إذا أمسكوا .
وإن جعلناه نقضا لعهد من باشر ، ولم نجعله نقضا لعهد من لم يباشر لم يخل حالهم أن يكونوا متميزين عنهم أو مختلطين بهم ، فإن تميزوا عنهم في موضع انحازوا عنه أجرى على كل واحد من الفريقين حكمه ، فقوتل الناقضون للعهد ، وقتلوا ، وكف عن غير غير الناقضين وأمنوا ، وإن اختلطوا بهم في مواضعهم غير متميزين عنهم ، لم يجز أن نقاتلهم إلا بعد إنذارهم ، ولا يجوز أن يشن عليهم الغارة ، ولا يهجم عليهم غرة وبياتا ، ويقول لهم : يتميز منكم ناقض العهد ممن لم ينقضه ، فإن تميزوا عمل بما تقدم ، وإن لم يتميزوا نظر : فإن كان المقيمون على العهد أكثر أو أظهر لم ينذروا بالقتال ، وقيل لهم : ميزوا عنكم ناقضوا العهد منكم ، إما بتسليمهم إلينا ، وإما بإبعادهم عنكم .
فإذا فعلوه ، فقد تميزوا به ، وخرجوا من نقض العهد ، وإن لم يفعلوا واحدا منهما ، وأقاموا على اختلاطهم بهم بعد المراسلة بالتميز عنهم صاروا مماثلين لهم ، فصار ذلك حينئذ نقضا منهم للعهد ، فجرى على جميعهم حكم النقض ؛ لأن موجب العهد أن لا يمايلوا علينا عدوا لقول الله تعالى : ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ) [ التوبة : 4 ] الآية وقد ظاهروهم بالممايلة ، فانتقض عهدهم ، وإن كان الناقضون للعهد أكثر وأظهر لم يجز أن يشن عليهم الغارة ، ولا يقتلوا في غرة وبيات وحوربوا جهرا ، ولم يجب الكف عن قتالهم ؛ لأجل من بينهم من أهل العهد ؛ لأنهم كالأسراء فيهم ، فإن أسروا لم يجز قتل الأسرى إلا بعد الكشف عنهم : هل هم ممن نقض العهد أو أقام عليه ، فإن لم يوصل إليه إلا منهم جاز أن يقبل قولهم في أنفسهم ، وكذلك في ذراريهم إن سبوا ، وأموالهم إن غنمت ، ولا تقبل شهادة بعضهم لبعض ، فإن ادعوا من الذراري والأموال ما أنكره الغانمون نظر : فإن كان في أيديهم ، فالقول فيه قولهم مع أيمانهم ، وإن كان في أيدي الغانمين لم يقبل قولهم فيه إلا ببينة فشهد لهم من المسلمين ، ولا يحلف الغانمون عليه ؛ لأنهم لا يتعينون في استحقاقه ، وكان مغنوما مع عدم البينة