الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص380
إما أن يكون من جميعهم أو من بعضهم .
فإن كان من جميعهم ، صار جميعهم حربا ، وليس لواحد منهم أمان على نفس ولا مال ، وإن نقضه ، لم يخل حال الناقض من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يظهر منهم الرضا بنقضه في قول أو فعل ، فينتقض عهدهم بالرضا كما انتقض به عهد المباشرة ، ويصير جميعهم حربا .
والقسم الثاني : أن يظهر منهم الكراهة لنقضه بقول أو فعل ، فيكونوا على عهدهم ، ولا ينتقض فيهم بنقض غيرهم ، قال الله تعالى : ( فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء ) [ الأعراف : 165 ] .
والقسم الثالث : أن يمسكوا عنه ، فلن يظهر منهم رضا به ، ولا كراهة له في قول ، ولا فعل ، فيكون إمساكهم نقضا لعهدهم ، قال الله تعالى : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) [ الأنفال : 25 ] وكذلك كانت سنة الله تعالى في عاقر ناقة صالح باشر عقرها أحيمر وهو القدار بن سالف وأمسك قومه عنه فأخذ الله جميعهم بذنبه ، فقال تعالى : ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ، ولا يخاف عقباها ) [ الشمس : 14 و 15 ] ، وفي قوله : ( فسواها ) ثلاثة تأويلاتل :
أحدها : فسوى بينهم في الهلاك .
والثاني : فسوى بهم الأرض .
والثالث : فسوى بهم من بعدهم من الأمم
وفي قوله : ( ولا يخاف عقباها ) ثلاثة تأويلات :
أحدها : ولا يخاف الله عقبى ما صنع بهم من الهلاك .
والثاني : ولا يخاف الذي عقرها عقبى ما صنع من عقرها .
والثالث : ولا يخاف صالح عقبى عقرها ؛ لأنه قد أنذرهم ، ونجاه الله حين أهلكهم ، وقد وادع رسول الله ( ص ) يهود بني النضير ، وهم بعضهم بقتله ، فجعله نقضا منهم ، لعهده ، فغزاهم ، وأجلاهم .
ووادع يهود بني قريظة ، فأعان بعضهم أبا سفيان بن حرب على حرب رسول الله ( ص ) في الخندق .
وقيل : إن الذي أعانه منهم ثلاثة : حيي بن أخطب ، وأخوه ، وآخر فنقض به عهدهم ، وغزاهم ، حتى قتل رماتهم ، وسبى ذراريهم .
وهادن قريشا في الحديبية ، وكان بنو بكر في حلف قريش ، وخزاعة في حلف رسول الله ( ص ) فحارب بنو بكر خزاعة ، وأعان نفر من قريش بني بكر على خزاعة وأمسك عنهم سائر قريش ، فجعله رسول الله ( ص ) نقضا لعهد جميعهم ، فسار إليهم