الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص376
فيصير بذلك منتقلا من أخف الأحكام إلى أغلظها .
والقسم الثالث : أن يكون الدين الذي انتقل إليه أغلى حكماً من الدين الذي كان عليه كمجوسي تنصر ، ففيه وجهان : أحدهما : أنه يجرى عليه حكم الدين الذي انتقل إليه لإقراره عليه في إباحة المناكحة والذبيحة ، وقدر الدية ، فيصير منتقلا من أغلظ الأحكام إلى أخفها .
والوجه الثاني : أنه يجري عليه أحكام الدين الذي كان عليه في تحريم مناكحته وذبيحته وقدر ديته تغليبا لأحكام التغليظ لما تقدم من حرماتها عليه ، كالمشكوك في دينه من نصارى العرب .
وإن قيل : بالقول الثاني : أنه لا يقر على الدين الذي انتقل إليه وجب أن يؤخذ جبرا بالانتقال عنه إلى دين يؤمر به ، وفي الدين الذي يؤمر بالانتقال إليه قولان :
أحدهما : دين الإسلام أو غيره ؛ لأنه انتقل إلى دين قد كان مقرا ببطلانه ، وانتقل عن دين هو الآن مقر ببطلانه ، فلم يجز أن يقر على واحد من الدينين ، لإقراره ببطلانهما ، فوجب أن يؤخذ بالرجوع إلى دين الحق ، وهو الإسلام .
والقول الثاني انه إن انتقل إلى دين الإسلام أو إلى دينه الذي كان عليه اقر عليه ، فنزل ؛ لأننا قد كنا قد صالحناه على الأول على دينه ، وإن كان عندنا باطلا فجاز أن يعاد إليه وإن كان عنده باطلا ، فعلى هذا اختلف أصحابنا في صفة دعائه إلى دينه الذي كان عليه على وجهين :
أحدهما : ويشبه أن يكون قول أبى إسحاق المروزي أننا ندعوه إلى العود إلى الإسلام ، ولا يجوز أن يدعى إلى العود إلى الكفر ، فإن عاد إلى دينه في الكفر أقر عليه ؛ لأن الدعاء إلى الكفر معصية ، ويجوز إذا لم يعلم انه يقر على دينه الذي كان عليه أن يقال له : نحن ندعوك إلى الإسلام ، فإن عدت إلى دينك الذي كنت عليه أقررناك
والوجه الثاني وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : أننا ندعوه ابتداء إلى الإسلام وإلى دينه الذي كان عليه ، ولا يكون ذلك أمرا بالعود إلى الكفر ؛ لأنه إخبار عن حكم الله تعالى ، فلم يكن أمرا بالكفر ، ألا ترى أن رسول الله ( ص ) دعاهم إلى الشهادة أو الجزية ، فلم يكن ذلك منه أمرا بالمقام على الكفر ، ولكنه إخبار عن حكم الله فيهم فإذا توجه القولان فيما يؤمر بالعود إليه ، فإن عاد إلى الدين المأمور به أقر عليه وإن لم يعد إليه ففيما يلزم من حكمه قولان :
أحدهما : وهو الذي نقله المزني هاهنا أنه ينبذ إليه عهده ، ويبلغ مأمنه ، ثم يكون حربا ؛ لأن له أمانا على الكفر ، فلزم الوفاء به ، فعلى هذا يجوز تركه ؛ ليقضي