الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص372
فيها أهل ذمة يلزمهم خراج الأرض وجزية الرؤوس ، فلا يجوز الاقتصار منهم على عشور ما زرعوا ؛ لأن عليهم حقين الخراج ، والجزية ، فإن جعل العشر خراجا بقيت الجزية ، وكان الخراج فاسدا ؛ لأنه أجرة لا تصح إلا معلومة ، وهذه مجهولة ؛ لأنهم قد يزرعون ولا يزرعون ، ويكون زرعهم قليلا أو كثيرا .
وإن جعل العشر جزية بقي الخراج ، وكانت الجزية فاسدة لما ذكرنا من الجهالة بها . والقسم الثاني : أن تكون الأرض لهم ، وهي دار حرب ، وهم فيها أهل عهد ، فيجوز أن يصالحوا على عشور ما زرعوا ؛ لأنه لا خراج على أرضهم لبقائها على ملكهم . ولا جزية على رؤوسهم لمقامهم في دار الحرب ، فيصير عشر زرعهم مال صلح ليس بخراج ، ولا جزية ، فجاز قليله وكثيره في العلم به ، والجهل ؛ لأنه مال تطوع .
والقسم الثالث : أن تكون الأرض باقية على ملكهم ، وهي دار الإسلام ؛ لأنهم فيها أهل ذمة تلزمهم جزية رؤوسهم ، ولا يلزمهم خراج أرضهم ، فيكون صلحهم على عشور ما زرعوا الجزية عن الرؤوس ، فقد قال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنه مجهول .
فاختلف أصحابنا في وجه فساده على ثلاثة أوجه :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه لم يجز ، لأنه لم يعلم هل يفي أقله بقدر الجزية أو لا يفي ، فإن علم أنه يفي بقدر الجزية جاز .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه لا يجوز إذا كان لهم مكسب غير الزرع ؛ لجواز أن لا يزرعوا ، فإن لم يكن لهم كسب غير الزرع جاز ؛ لأنهم لا يدعونه إلا من ضرورة .
والوجه الثالث : وهو الأصح أنه لا يجوز إذا لم يضمنوا تمام الجزية عند قصوره أو فواته .
ويجوز إن ضمنوا تمام ما قصر أو فات ؛ لأن قدر الجزية إذا تحقق حصوله لم تؤثر الجهالة فيما عداه من الطوع ، والله أعلم .