پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص369

فإن استناب فيها من أمره بعقدها صح ؛ لأنها صدرت عن رأيه ، فلم يلزمه أن يباشرها بنفسه ؛ لأنه عام النظر ، فلم يفرغ لمباشرة كل عمل ، فإن استناب فيها من فوض عقدها إلى رأيه جاز إذا كان من أهل الاجتهاد والرأي ، وكان عقدها في هذا منسوبا إلى المستناب المباشر ، وفي قبله منسوبا إلى المستنيب الآمر ، وهما في اللزوم على سواء .

وأما ولاة الثغور ، فإن كان تقليدهم تضمن الجهاد وحده لم يكن لواحد منهم أن يعقد الهدنة إلا قدر فترة الاستراحة ، وهي أربعة أشهر ، ولا يجوز أن يكون سنة ؛ لأن عليه أن يجاهد في كل سنة ، وفيما بين أربعة أشهر وسنة قولان ؛ لأنه قعد في هذه المدة عن الجهاد من غير هدنة جاز ، فكان مع الهدنة أولى بالجواز .

وإن تضمن تقليد والي الثغور أنه يعمل برأيه في الجهاد والموادعة جاز أن يعقد الهدنة عند الحاجة إليها ؛ لدخولها في ولايته ، والأولى أن يستأذن فيها الخليفة ، فإن لم يستأذنه انعقدت .

( مسألة )

: قال الشافعي رحمه الله تعالى : ‘ وعلى من بعده من الخلفاء إنفاذه ‘ .

قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا اجتهد الإمام في الهدنة حتى عقدها ثم مات أو خلع لزم من بعده من الأئمة إمضاؤها إلى انقضاء مدتها ، ولم يكن له فسخها ، وإن استغنى المسلمون عنها لقول الله تعالى : ( فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) [ التوبة : 4 ] . ولما روى أن نصارى نجران أتوا علي بن أبي طالب عليه السلام في ولايته ، وقالوا له : إن الكتاب بيدك وإن الشفاعة إليك ، وإن عمر أجلانا من أرضنا ، فردنا إليها فقال : إن عمر كان رشيد الأمر ، وإني لا أغير أمرا فعله ولأن ما نفذ بالاجتهاد ولم يجز أن يفسخ بالاجتهاد كالأحكام ، فإن كان عقد الهدنة فاسدا ، فإن كان فسادها من طريق الاجتهاد لم تفسخ لنفوذ الحكم بإمضائها وإن كان فسادها من نص أو إجماع فسخت .

ولم يجز الإقدام على حربهم إلا بعد إعلامهم بفساد الهدنة ، وقد تظاهر يهود خيبر بكتاب نسبوه إلى علي عليه السلام أنه كتبه لهم في وضع الجزية عنهم ، ولم ينقله أحد من الرواة عنه ، فلم يجز قبول قولهم فيه ، ولو كان صحيحا لجاز أن يكون لسبب اقتضاه الوقت ، ثم سقط ؛ لأنه لا يستجيز أن يعاملهم بما يعدل فيه عن كتاب الله تعالى ، وقوله ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( ) [ التوبة : 29 ] ولذلك لم يعمل عليه الفقهاء وأوجبوها عليهم كغيرهم من اليهود .

وتفرد أبو علي بن أبي هريرة بإسقاطها عنهم ؛ لأن رسول الله ( ص ) عاملهم على