الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص362
فإن قيل : إنه اشترط ردهن مع إباحته ، ثم نسخه الله تعالى بعد هدنته ، فلا مهر لزوج المسلمة من بعده ؛ لأنه لا يجوز اشتراط ردها عليه ؛ لما استقر من تحريمه .
وإن قيل : إن حظره كان متقدما ، وإن رسول الله ( ص ) لم يشترط ردهن أو شرطه سهوا أو مضطرا وجب لزوج المسلمة في هدنة الإمام بعده الرجوع بمهرها ؛ لأن ردهن في الحالين محظور ، والشرط فيهما ممنوع ، فصار القولان في رد المهر مبنيين على هذين :
أحدهما : وهو الأصح ، واختاره المزني ، وبه قال أبو حنيفة ومالك : لا مهر له ، ووجهه شيئان :
أحدهما : أنه لما لم يرجع به غير زوجها أهلها لم يرجع به زوجها كالنفقة والكسوة .
والوجه الثاني : لما لم ترجع زوجة من أسلم بما أستحقته من المهر وجب أن لا
يرجع زوج من أسلمت بما دفعه المهر ، لتكافؤهما في النكاح .
والقول الثاني : وبه قال عطاء له الرجوع بالمهر ؛ لأمرين :
أحدهما : عموم قوله تعالى : ( وآتوهم ما أنفقوا ) [ الممتحنة : 10 ] ، فاقتضى أن يستوي فيه حكم الجميع .
والثاني : أن عقد الهدنة قد أوجب الأمان على الأموال ، ويضع الزوجة في حكم المال ؛ لصحة المعاوضة عليه نكاحا وخلعا ، فاقتضى أن يجب في المنع منه الرجوع ببدله ، وهو المهر وعلى هذا القول يكون التفريع ، فيكون استحقاق مهرها معتبرا بتسعة شروط :
أحدها : أن يكون الطالب لها زوجها ، فإن طلبها غيره من أهلها لم يستحق مهرها ؛ لأنه لا يملك منافع بضعها ، فإن ادعى زوجتها فصدقته قبل قولها ، وإن أنكرته لم تقبل دعواه إلا بشاهدين من عدول المسلمين يشهدان بنكاحه ، ولا يقبل منه شاهد وامرأتان ، ولا شاهد ويمين ؛ لأنها بينة على عقد نكاح .
والشرط الثاني : أن يكون قد ساق إليها مهرها ، فإن لم يسقه لم يستحقه ، وقولها في قبضه مقبول ، فإن أنكرته لم يجب عليها يمين ؛ لأن رده مستحق على غيرها ، وطولب الزوج بالبينة ، ويقبل منه شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين ؛ لأنها بينة على مال ، فإن كان ما دفعه من المهر حراما كالخمر والخنزير لم يستحق الرجوع بمهرها ؛ لأنه دفع ما لا يستحق فيه مثل ، ولا قيمة .
والشرط الثالث : أن تكون قد هاجرت بإسلامها إلى بلد الإمام أو من ينوب عنه وفي هذا النائب عنه وجهان :