الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص360
والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، وهو قول جمهور أصحابه أنه لا يجوز نسخ السنة بالقرآن ، كما لا يجوز نسخ القرآن بالسنة ، فعلى هذا عن هذا النسخ جوابان :
أحدهما : أنه قد كان مستباحا بعموم ما نزل من القرآن في إباحة النكاح ، ثم نسخ ذلك بتخصيص العموم ، فكان نسخ القرآن بقرآن .
والجواب الثاني : أنه قد كان مستباحا بالسنة ثم نسخته السنة بما روي من إبطال الشرط في هدنة رسول الله ( ص ) .
فأما اشتراط رد من أسلم من الرجال ، فمعتبر بأحوالهم عند قومهم ، وفي عشائرهم إذا رجعوا إليهم ، فإن كانوا مستذلين فيهم ليس لهم عشيرة تكف الأذى عنهم وطلبوهم ليعذبوهم ، ويفتنوهم عن دينهم ، كما كانت قريش تعذب بلالا . . وعمارا وغيرهما من المستضعفين بمكة ، لم يجز ردهم عليهم ، وكان الشرط في ردهم باطلا ، كما بطل في رد النساء حقنا لدمائهم ، وكفا عن تعذيبهم واستذلالهم ، فقد قال النبي ( ص ) : ‘ إن الله حرم من المسلم ماله ودمه ، وأن لا يظن به إلا خيرا ‘ ولأنه لما وجب على الإمام فك الأسير المسلم وجب أن لا يكون عونا على أسر مسلم .
فأما من كان في عز من قومه ، ومنعة من عشيرته ، قد أمن أن يفتن عن دينه أو يستذله مستطيل عليه ، جاز رده عليه ، وصحت الهدنة باشتراط رده .
قد رد رسول الله ( ص ) في هدنة الحديبية أبا جندل بن سهيل بن عمرو على أبيه ، ورد عياش بن أبي ربيعة على أهله ، ورد أبا بصير على أبيه ؛ ولأنهم كانوا ذوي عشيرة ، وطلبهم أهلوهم إشفاقا عليهم ، و فادى العقيلي بعد إسلامه برجلين من المسلمين كانا أسيرين في قومه ، لقوة عشيرته فيهم .
وقد كان رسول الله ( ص ) أراد مراسلة قريش بالحديبية ، فعرض على أبي بكر أن يتوجه إليهم ، فقال إني قليل العشيرة بمكة ، ولا آمنهم على نفسي . فعرض على عمر فقال مثل ( ذلك ) فقال لعثمان : ‘ أنت كثير العشيرة بمكة ‘ فوجهه إليهم ، فلما توجه فلقوه الإكرام وقالوا له : طف بالبيت وتحلل من إحرامك ، فقال : لا أطوف بالبيت ورسول الله ( ص ) محصور عن الطواف ، فانقلبوا عليه ، حتى بلغ رسول الله ( ص ) أنه قتل