الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص359
يجريهن في الرد مجرى الرجال ؛ ليمن عليهن بردهن ؛ لظنهم أن ردهن جائز ، فأنزل الله تعالى على رسوله ( ص ) المنع من ردهن ؛ ليكون حجة لرسوله ( ص ) من الامتناع ، وإن كان ممتنعا منه ، وجعل رد المهر على الأزواج توكيدا لعقد الهدنة .
والقول الثاني : أن النبي ( ص ) أطلق في شرط العقد رد من أسلم ؛ ولم يصرح بذكر النساء في رد ولا منع ، فكان ظاهر العموم من الشرط اشتماله عليهن مع الرجال ، وإن كان تخصيصه محتملا في دين الله تعالى خروجهن من عمومه ، وكذلك كان مراد رسوله ( ص ) .
وتمسكت قريش بظاهر العموم في رد النساء ، فأظهر رسول الله ( ص ) خروجهن من العموم بما نزل عليه من الاستثناء .
والقول الثالث : أن النبي ( ص ) صرح بردهن في شرط هدنته كما صرح بذكر الرجال حتى منعه الله تعالى من ردهن بهذه الآية ، فعلى هذا اختلف أصحابنا فيوجه اشتراطه لردهن على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه كان ذلك منه على وجه السهو ، ولولا سهوه عنه ، لما أقدم عليه ، وقد يسهو كغيره من أمته لكن لا يقره الله تعالى على خطأ ، فيكون مساويا لهم في السهو مباينا لهم في الإقرار ، فنزلت الآية عليه استدراكا لسهوه .
والوجه الثاني : أنه فعله مع علمه بحظره لكن دعته الضرورة إليه لمصلحة وقته في حسم القتال ؛ لأنه كان في ألف وأربعمائة من أصحابه ، وكان المشركون نحو أربعة آلاف ، وقد يفعل في الاضطرار ما لا يجوز أن يفعل في الاختيار ، فلما زالت ضرورته منع منه .
والوجه الثالث : أنه قد كان مباحا في صدر الإسلام أن تقر المسلمة على نكاح كافر ، ولذلك أقر رسول الله ( ص ) ابنته زينب على نكاح أبي العاص بن الربيع ، وكان على كفره إلى أن انتزعها منه حتى أسلم ، ثم ردها عليه ، فلذلك شرط رد من أسلم من نسائهم عليهم ثم حرم الله تعالى ذلك ، ونسخه ، فامتنع منه وأبطل شرطه فيه .
فإن قيل : فمذهبكم أنه لا يجوز أن ننسخ السنة إلا السنة ، والقرآن إلا القرآن فكيف نسخ السنة ها هنا بالقرآن .
قيل : أما نسخ القرآن بالسنة ، فلا يختلف مذهبنا أنه لا يجوز وأما نسخ السنة بالقرآن ، فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : وهو مذهب ابن سريج أنه يجوز أن تنسخ السنة بالقرآن فعلى هذا سقط السؤال .