الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص351
عاهدتم عند المسجد الحرام بما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) [ التوبة : 7 ] حتى نقضت قريش العهد بمعونة أحلافهم من بني بكر على قتال أحلاف رسول الله ( ص ) من خزاعة فسار إليهم سنة ثمان حتى فتح مكة ، وكان صلح الحديبية سنة ست وعمرة القضية سنة سبع ، وكان هذا الصلح عظيم البركة أسلم بعده أكثر ممن أسلم قبله
أحدهما : أن تكون بهم قوة ، وليس لهم في الموادعة منفعة ، فلا يجوز للإمام أن يهادنهم وعليه أن يستديم جهادهم ؛ لقول الله تعالى ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) [ آل عمران : ] .
والحال الثانية : أن يكون بهم قوة لكن لهم في الموادعة منفعة ، وذلك بأن يرجو بالموادعة إسلامهم ، وإجابتهم إلى بذل الجزية ، أو يكفوا عن معونة عدو ذي شوكة أو يعينوه على قتال غيرهم من المشركين إلى غير ذلك من منافع المسلمين ، فيجوز أن يوادعهم مدة أربعة أشهر ، فما دونها ؛ لقول الله تعالى براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) [ التوبة : 1 ] وأعطى رسول الله ( ص ) صفوان بن أمية أربعة أشهر ، فإن أراد الإمام أن يبلغ بمدة موادعتهم في هذه الحال سنة لم يجز ؛ لأنها مدة الجزية التي لا يجوز أن يقر فيها مشرك إلا بها ، فأما ما دون السنة وفوق أربعة أشهر ، ففي جواز موادعتهم قولان :
أحدهما : نص عليه هاهنا ، وفي الجزية من كتاب الأم أنه لا يجوز موادعتهم أكثر من أربعة أشهر ؛ لقول الله تعالى : ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) فجعلها حدا لغاية الموادعة .
والقول الثانية : نص عليه في سير الواقدي ، يجوز أن يوادعهم ما دون السنة ، وإن زاد على أربعة أشهر ، لأنها دون مدة الجزية كالأربعة مع عموم قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) [ المائدة : 1 ]
والحال الثالثة : أن لا يكون بالمسلمين قوة ، وهم على ضعف يعجزون معه عن قتال المشركين فيجوز أن يهادنهم الإمام إلى مدة تدعوه الحاجة إليها أكثرها عشر سنين ؛ لأن رسول الله ( ص ) هادن قريشا عام الحديبية عشر سنين لا أغلال فيها ، ولا أسلال ، ودامت هذه المهادنة سنتين حتى نقضوها فبطلت فإن احتاج الإمام إلى مهادنتهم أكثر منها لم يجز ؛ لأنها مخصوصة عن حظر ، فوجب الاقتصار على مدة الاستئناف والتخصيص ، وقيل للإمام : اعقد الهدنة عشر سنين ، فإذا انقضت والحاجة باقية استأنفتها عشرا ثانية ، فإن عقدها على أكثر من عشر سنين بطلت الهدنة فيما زاد على العشر ، وفي بطلانها في العشر قولان ، من تفريق الصفقة :