الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص350
قال الماوردي : أما المهادنة ، فهي المسالمة والموادعة عن عهد يمنع من القتال والمنافرة ، وقد كان الله تعالى بعد فرض الجهاد منع منها بقوله : ( فاقتلوا المشركين ) [ التوبة : 51 ] وجعل غاية أمرهم في قتلهم أن يسلموا ، فقال ( فإن تابوا ) الآية ثم إنه تعالى أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية إن لم يسلموا فقال تعالى : ( قاتلوا الذين ) إلى قوله : ( وهم صاغرون ) [ التوبة : 29 ] فكان هذا بعد قوة الإسلام لكن بها تؤخذ جزيتهم ، ثم إن الله تعالى أذن في مهادنتهم ومسالمتهم عند الحاجة إليها ، فقال تعالى : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) [ الأنفال : 61 ] .
وقال تعالى : ( إلا الذين عاهدتم ) إلى قوله ( عهدهم إلى مدتهم ) [ التوبة : 4 ] ، فوادع رسول الله ( ص ) يهود بني النضير وبني قريظة ، وبني قينقاع بالمدينة ليكفوا عن معونة المشركين ، ويكونوا عونا للمسلمين فكان ذلك من أول عهوده حتى نقضوا العهد ، فكان أول من نقض عهده منهم بنو قينقاع في معونة قريش يوم بدر ، فسار إليهم ، وأظفره الله بهم ، وأراد قتلهم ، فسأله أبي بن سلول فيهم ، وكانوا ثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسر فنفاهم إلى أذرعات من الشام .
ثم نقض بنو النضير عهودهم بعد أحد ؛ لأنهم هموا أن يفتكوا برسول الله ( ص ) ، فسار إليهم ، وأظفره الله بهم ، فأجلاهم إلى أرض خيبر .
ثم نقض بنو قريظة عهودهم بمعونة أبي سفيان على رسول الله ( ص ) عام الخندق ، فسار إليهم فأظفره الله بهم وحكم سعد بن معاذ ، فحكم بسبي الذراري ، وقتل من جرت عليه المواسي ، فقتلهم ، وكانوا سبعمائة رجل .
ثم هادن قريشا عام الحديبية عشر سنين ، وفيه نزل قوله تعالى : ( إلا الذين