الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص347
أخذ من غيره ما جبره ، فصار بدلا منه ، وحمل قائل هذا الوجه صلح عمر على أنه علم كثرة أموالهم وأن المأخوذ من ذوي الأموال يفي بجزية جميعهم
والوجه الثالث : وهو الظاهر من مذهب الشافعي بأنه يجوز حملهم عليه إذا بلغ المأخوذ من كل واحد منهم دينارا فصاعداً ، فإن نقص عن الدينار أخذ منه تمام الدينار ، ولا يجبر بزيادة غيره ؛ ومن لم يملك نصاباً مزكى ، أخذ منه دينار الجزية ولم يسقط عنه بأخذها من غيره لأن أهل الذمة لا يجوز أن يقروا في دار الإسلام على التأبيد بغير جزية ، ولا يجوز أن ينقص واحد منهم عن دينار الجزية ، وحمل صلح عمر على أنه علم أن جميعهم أغنياء ؛ لما شاهده من كثرة أموالهم ، وأنه ليس فيهم من يعجز عن المأخوذ منه عن دينار ، وهذا الوجه هو الأقيس والأول هو الأشبه بصلح عمر .
وقال أبو حنيفة : آخذها من الرجال والنساء دون الصبيان ، احتجاجا بأن ما أخذ باسم الصدقة ، وكان النصاب فيه والحول فيه معتبرين اشترك فيه الرجال والنساء كالزكاة على المسلمين ، وخرج منه الصبيان ؛ لأنه لا زكاة عليهم
ودليلنا : هو أن المأخوذ بالإقرار على الكفر جزية فوجب أن يختص بالرجال دون النساء كالدينار ، ولأن النساء محقونات الدماء ، فلم تضاعف صدقة الجزية كالصبيان والمجانين
فأما الجواب عن قياسهم على الزكاة ، فمن وجهين :
أحدهما : أنها جزية ، فكان اعتبارها بالجزية أولى من اعتبارها بالزكاة والوجه الثاني : أنها لما خرجت عن الزكاة قدرا ومصرفا خرجت عنها حكما والتزاما
أحدهما : أنه يعتبر بوجود النصاب في الحول كله كالزكاة .
والوجه الثاني : أنه يعتبر وجوده في رأس الحول ؛ لأنه لما اعتبر اليسار بدينار الجزية ، في رأس الحول كذلك النصاب ؛ لأن المأخوذ منه جزية
فإذا تقرر هذان الوجهان لم يخل النصاب من أربعة أحوال :
أحدهما : أن يكون موجودا في الحول كله ، فيؤخذ منه .