الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص346
تؤخذ من أموالهم الظاهرة والباطنة كما تجب الصدقة على المسلمين في الأموال الظاهرة والباطنة من المواشي والزروع ، والثمار ، والذهب ، والفضة ، وعروض التجارة إذا بلغت نصابا ، ولا شيء عليهم دون النصاب ، ولا في الدور والعقار ، ولا في الخيل ، والبغال ، والحمير ، فيؤخذ منهم عن كل خمس من الإبل شاتان ، عن كل ثلاثين بقرة تسعين ، وعلى كل أربعين شاة شاتان ، وعما سقته السماء من الزروع والثمار التي يجب فيها العشر الخمس ، وعما سقي بنضج أو غرب يجب فيه نصف العشر العشر ، وعما وجب فيه ربع العشر من الفضة والذهب نصف العشر ، فيؤخذ من عشرين مثقالا من الذهب ، ومن مائتي درهم من الورق عشرة دراهم ، وعما وجب فيه الخمس من الركاز والمعادن الخمسين ، فكان لعقد صلحهم مع عمر مستقرا على هذا ، وحملهم عليه بعد عمر عثمان رضي الله عنهما وعلي عليه السلام ، ولم يمنعوهم أن ينصروا أولادهم ، فدل على أن اشتراط ذلك عليهم كان إرهابا ولم يكن إلزاما .
وقد ثبت أن عمر صالحهم عليه ، ولم يأخذ منهم دينار الجزية ، لأنهم امتنعوا من بذل الجزية لئلا يجري عليه صغار ، فصارت مضاعفة الصدقة هي الجزية مأخوذة باسم الصدقة ، وقد قال عمر : هؤلاء قوم حمقى ، أبوا الاسم ورضوا بالمعنى .
واختلف أصحابنا في عقد الصلح على هذا الوجه على ثلاثة أوجه :
أحدهما : يجوز حملهم عليه سواء بلغ المأخوذ من كل واحد منهم دينارا أو نقص عنه ، ومن لم يبلغ ماله نصاب الزكاة لم يؤخذ منه ، ومن لم يملك مالا مزكى ، فلا شيء عليه ، وهو الظاهر من فعل عمر فكان إمضاؤه على هذا ، وإن نقص المأخوذ من كل واحد على الدينار ؛ لأنه قد يجوز أن يزيد في وقت آخر على الدينار لما يستفيده ، ويجوز أن يملك من لا ملك له ، فيؤدي ، فيكون الاعتبار بها لا بالدينار ويكون ما يخاف من نقصان الدينار في وقت مجبورا بما يرجى من الزيادة عليه في وقت .
والوجه الثاني : يجوز أن يصالحوا على هذا إذا علم أن المأخوذ من ذوي الأموال منهم يفي بدينار عن كل رأس من جميعهم ، وإن لم يف بالدينار عن كل رأس لم يجز .
مثاله : أن يكونوا ألف رجل ، فإن علم أن المأخوذ بمضاعفة الصدقة ألف دينار فصاعدا جاز ، وإن علم أنه أقل من دينار لم يجز ، ولا يضر أن يؤخذ من بعضهم أقل من دينار إذا أخذ من غيره أكثر منه ، ولا شيء على من لا ماله له من مزكى ؛ لأنه قد