پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص337

فإذا ثبت حظر استيطان أهل الذمة للحجاز ، فيجوز أن يدخلوه دخول المسافرين لا يقيموا من موضع منه أكثر من ثلاثة أيام ؛ لأن عمر حين أجلاهم ضرب لمن قدم منهم تاجرا أو صانعا مقام ثلاثة أيام ، فكان هذا القدر مستثنى من الحظر ، استدل به على أن قول رسول الله ( ص )

لا يجتمع دينان في جزيرة العرب

محمول على الاستيطان دون الاجتياز ، ولأن الله تعالى يقول ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ، ثم أبلغه مأمنه ) [ التوبة : 6 ] ويكفيه أن يهتدي بسماع كلام الله تعالى في مدة ثلاث ؛ ولأنه لما انخفضت حرمة الحجاز عن الحرم ، وفضلت على غيره أبيح لهم من مقام ما لم يستبيحوه في الحرم ، وحرم عليهم من استيطان الحجاز ما استباحوه في غيره ، فإذا كان كذلك اختصت الإباحة بمقام المسافر ، وهو ثلاثة أيام لا يتجاوزونها ، ويمنعون من دخول الحجاز ، وإن كانوا أهل ذمة إلا بإذن الإمام ؛ لأن مقصوده التصرف دون الأمان .

فلو أذن لهم واحد من المسلمين لم يجز أن يدخلوا بإذنه ، وإن كان لو أذن لحربي جاز أن يدخل دار الإسلام بإذنه .

والفرق بينهما : أن المقصود بإذنه للحربي أمانه ، وأمان الواحد من المسلمين يجوز ، والمقصود بإذنه للذمي في دخول الحجاز التصرف المقصور على إذن الإمام فلو دخل ذمي الحجاز بغير إذن عزر وأخرج ولا يغنم ماله ؛ لأن له بالذمة أمانا ولو دخل حربي بلاد الإسلام بغير إذن غنم ماله ؛ لأنه لا أمان له ، ويجوز إذا أقاموا ببلد من الحجاز ثلاثا أن ينتقلوا إلى غيره ، فيقيموا فيه ثلاثا ، ثم كذلك في بلد بعد بلد ، فإن لم يقض حاجته في الثلاث ، واحتاج إلى زيادة مقام ؛ لاقتضاء الديون منح ، وقيل له : وكل من يقبضها لك ، ولو مرض ، ولم يقدر على النهوض مكن من المقام ؛ لأنها حال ضرورة حتى يبرأ ، فيخرج بخلاف الدين الذي يقدر على قبضه ، فإن مات في الحجاز لم يدفن فيه ؛ لأن الدفن مقام تأبيد إلا أن يتعذر إخراجه ، ويتغير إن استبقى من غير دفن فيدفن في الحجاز للضرورة كما يقيم فيه مريضا .

فأما الحجاز ، فهو بعض جزيرة العرب ، ولأن كل قول لرسول الله ( ص ) متوجه إلى جزيرة العرب مختلف فيه ، فهي في قول الأصمعي من أقصى عدن إلى أقصى ريف العراق في الطول ، ومن جدة وما والاها إلى أطراف الشام في العرض .

وقال أبو عبيدة : جزيرة العرب في الطول ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن ، وفي العرض ما بين رمل إلى يبرين إلى منقطع السماوة ، وفي جزيرة العرب أرض نجد وتهامة ، وحد نجد وتهامة مختلف فيه ، فقال الأصمعي : إذا خلفت عجاز مصعدا ، فقد أنجدت ، فلا تزال منجدا حتى تنحدر في ثنايا ذات عرق ، فإذا فعلت فقد أتهمت ، ولا تزال متهما في ثنايا العرج حتى يستقبلك الأراك والمدارج