پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص335

والثالث : أنه لما كان علينا أن نجتنبهم كالأنجاس صاروا بالاجتناب في حكم الأنجاس ، وهذا قول جمهور أهل العلم . وقوله : ( فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) [ التوبة : 28 ] . يريد به الحرم ، فعبر عنه بالمسجد ، لحلوله فيه ، كما قال : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) [ الإسراء : 71 ] . يريد به مكة ، لأنه أسرى به من منزل أم هانئ وهكذا كل موضع ذكر الله تعالى ، فقال الله المسجد الحرام ، فإنما أراد به الحرم إلا في قوله : ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) [ البقرة : 144 ] . يريد به الكعبة . وإذا كان كذلك ، وقد منع أن يقربه مشرك ، وجب أن يكون المنع محمولا على عمومه في الدخول والاستيطان . وقال تعالى : ( ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا ) [ البقرة : 126 ] يعني مكة ، وحرمها ، ( ( وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ) [ البقرة : 126 ] . يعني بمكة ، وهو قبل فتحها ، فدل على تحريمها على الكافر بعد فتحها . وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك ‘ وهذا محمول على القصد ، فكان على عمومه ، ولأنه لما اختص الحرم بما شرفه الله تعالى فيه على سائر البقاع تعظيما لحرمته ، كان أولى أن يصان ممن عانده ، وطاعنه ، ولأن رسول الله ( ص ) لما ذكر فضائل الأعمال في البقاع ، فضله على غيره ، فقال :

صلاة في مسجدي بألف صلاة ، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في مسجدي هذا

. وهذا التفضيل يوجب فضل العبادة . فأما الجواب عن أخذ الجزية من موهب النصراني بمكة ، فهو أنه قبل نزول هذه الآية ، لأنها نزلت سنة تسع . وأما الجواب عن دخول المساجد ، فهو أن حرمة الحرم أعظم ، لتقدم تحريمه ، ولوجوب الإحرام في دخوله ، وللمنع من قتل صيده . وأما الجواب عن المسلم الجنب ، فهو أنه لما لم يمنع الجنب والحائض من الاستيطان لم يمنع من الدخول والمشرك ممنوع من الاستيطان ، فمنع من الدخول . فإذا تقرر أنه لا يجوز أن يدخل الحرم مشرك ، وورد المشرك رسولا إلى الإمام ، وهو في الحرم ، خرج الإمام إليه ، ولم يأذن له في الدخول ، فلو دخل مشرك إلى الحرم لم يقتل ، وعزر إن علم بالتحريم ، ولم يعزر إن جهل ، وأخرج ، فإن مات في الحرم لم يدفن فيه ، فلو دفن فيه نبش ، ونقل إلى الحل إلا أن يكون قد بلى ، فيترك كسائر الأموات في الجاهلية .