الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص334
أقروا به عمل عليها ، واستوفى ما لم يأخذه من الزيادة ، وعاد إلى ديوانه ، فأثبت ما قامت به البينة بعدما أخذ من الإقرار ، وصار ذلك حكما مؤبدا ، والله أعلم .
قال الماوردي : اعلم أن بلاد الإسلام ثلاثة أقسام : حرم ، وحجاز ، وما عداهما .
فأما الحرم ، فهو أشرفها ، لما خصه الله تعالى من بيته الحرام الذي علق عليه الصلاة والحج ، وشرفه بهاتين العبادتين ما ميزه من سائر البلاد بحكمين :
أحدهما : أن لا يدخله قادم إلا محرم بحج أو عمرة .
والثاني : تحريم صيده أن يصاد ، وشجره أن يعضد .
ولما كانت له هذه الحرمة ، فلا يجوز أن يدخله مشرك من كتابي ، ولا وثني لمقام ، ولا اجتياز .
وقال أبو حنيفة : يجوز دخولهم إليه للتجارة وحمل الميرة من غير استيطان ، ويمنعون من الطواف بالبيت ، احتجاجا بأن شرف البقاع لا يمنع من دخولهم إليها كالمساجد ، ولما لم تمنع الجنابة من دخوله لم يمنع منه المشرك .
وقال جابر بن عبد الله ، وقتادة يجوز أن يقيم فيه الذمي دون الوثني ، والعبد المشرك إذا كان ملكا لمسلم ، لأن رسول الله ( ص ) ‘ أخذ الجزية من نصراني بمكة يقال له موهب ‘ ، ولا تؤخذ الجزية إلا من مستوطن ، وهذا خطأ ، لقول الله تعالى ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) [ التوبة : 28 ] . وفي قوله : ( نجس ) ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم أنجاس الأبدان ، كنجاسة الكلب والخنزير ، وهذا قول عمر بن عبد العزيز والحسن البصري ، حتى أوجب الحسن البصري الوضوء على من ضاجعهم .
والثاني : أنه سماهم أنجاسا لأنهم يجنبون ، فلا يغتسلون ، فصاروا لوجوب الغسل عليهم كالأنجاس ، وإن لم يكونوا أنجاسا ، وهذا قول قتادة