الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص300
ومعلوم أنهم كانوا على اختلاف في الغنى والتوسط فسوى بينهم ، ولم يفاضل .
وروي أن رسول الله ( ص ) صالح أكيدر دومة على نصارى أيلة ، وهم ثلاثمائة رجل على ثلاثمائة دينار ، فجعلها معتبرة بعددهم ، وليس يعتبرها بيسارهم وإعسارهم .
ولأن رسول الله ( ص ) اخذ جزية نصراني بمكة يقال له أبو موهب دينارا ، ولم يذكر يساره ولا إعساره ، فدل على استواء الحالين .
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ( ص ) أمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب من كل حالم دينارا ، ولم يفضل فدل على التساوي .
ومن القياس أن كل من حقن دمه بالجزية جاز أن يتقدر بالدينار كالمقل ، ولأن كل ما جاز أن يتقدر به جزية المقل جاز أن يتقدر به جزية المكثر كالأربعة ولأن حرمة دمهما واحدة ، فوجب أن تكون جزيتهما واحدة .
فأما الجواب عما فعله عمر ، فهذا أنه قدره عليهم عن مراضاة بينه وبينهم لا ينكر مثلها إذا فعلوه .
وقياسهم على الزكاة منتقص بزكاة الفطر التي لا تزيد زيادة المال ، ثم المعنى في الزكاة وجوبها في عين المال ، فجاز أن تختلف بقلته وكثرته ، والجزية في الذمة عن حقن الدم كالأجرة ، فلم تختلف بزيادة المال وكثرته كالإجارة .
وأما الجواب عن جمعهم بين الجزية والخراج ، فهو أن الخراج عند الشافعي أجرة عن أرض ذات منفعة ، فجاز أن يختلف باختلاف المنافع والجزية عوض عن حقن الدم والإقرار على الكفر ، وذلك غير مختلف باختلاف المال ، فلم يتفاضل بتفاضل المال .
وأما الجواب عن استدلال سفيان الثوري بالهدنة ، فهو أن الهدنة لما جاز أن تكون موقوفة على رأي الإمام في عقدها بمال وغير مال جاز عقدها على رأي الإمام في قدر المال ، والجزية لا تقف على رأيه في عقدها بغير مال ، فلم تقف على رأيه في تقدير المال
قال الماوردي : وأما المقل الذي يملك قدر الجزية ، ولا يملك ما سواها ، فهي عليه واجبة ، لقدرته على أدائها ، فأما الفقير الذي لا يملك قدر الجزية ، فضربان :